القائلين بالعقول والنفوس الفلكيّة ، وبأن الله تعالى لم يؤثّر حقيقة إلّا في العقل الأوّل ، فهم يعرونه تعالى عن ملكه وينسبون الحوادث إلى هؤلاء.
وعلى آخرين منهم قالوا إنّ الله سبحانه أوجد جميع مخلوقاته دفعة واحدة دهريّة لا ترتّب فيها باعتبار الصدور بل إنّما ترتّبها في الأزمان فقط كما أنّه لا تترتّب الأجسام المجتمعة زمانا وإنّما ترتّبها في المكان فقط ، فنفوا عليهمالسلام كلّ ذلك وأثبتوا أنّه تعالى كلّ يوم في شأن من إعدام شيء وإحداث آخر ، وإماتة شخص وإحياء آخر إلى غير ذلك ، لئلّا يترك العباد التضرّع إلى الله ومسألته وطاعته والتقرّب إليه بما يصلح أمور دنياهم وعقباهم ، وليرجوا عند التصدّق على الفقراء وصلة الأرحام وبرّ الوالدين والمعروف والإحسان ما وعدوا عليه من طول العمر وزيادة الرزق وغير ذلك.
ثمّ اعلم أنّ الآيات والأخبار تدلّ على أنّ الله خلق لوحين أثبت فيهما ما يحدث من الكائنات أحدهما اللوح المحفوظ الذي لا تغيّر فيه أصلا وهو مطالب لعلمه تعالى ، والآخر لوح المحو والإثبات فيثبت فيه شيئا ثمّ يمحوه لحكم كثيرة لا تخفى على أولي الألباب ، مثلا يكتب فيه أنّ عمر زيد خمسون سنة ، ومعناه إنّ مقتضى الحكمة أن يكون عمره كذا إذا لم يفعل ما يقتضي طوله أو قصره ، فإذا وصل الرحم مثلا يمحي الخمسون ويكتب مكانه ستّون ، وإذا قطعها يكتب مكانه أربعون ، وفي اللوح المحفوظ أنّه يصل عمره ستّين كما أنّ الطبيب الحاذق إذا اطّلع على مزاج شخص يحكم بأنّ عمره بحسب هذا المزاج يكون ستّين سنة ، فإذا شرب سما ومات أو قتله إنسان فنقص من ذلك ، أو استعمل دواء قوي مزاجه به فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب ، والتغيّر الواقع في هذا اللوح مسمّى بالبداء ؛ إمّا لأنّه مشبّه به كما في سائر ما يطلق عليه تعالى من الابتلاء والاستهزاء والسخريّة وأمثالها ، أو لأنّه يظهر للملائكة أو للخلق إذا أخبروا بالأوّل خلاف ما علموا أوّلا ، أي استعاد في