الأمر في الأوقات التي ذكرت فلمّا تجدّد ما تجدّد تغيّرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر ، وكذلك فيما بعد ، ويكون الوقت الأوّل وكلّ وقت يجوز أن يؤخّر مشروطا بأن لا يتجدّد ، وتغيّر ما تقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيّره شيء فيكون محتوما.
وعلى هذا يتأوّل ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزيادة فيها عند الدعاء وصلة الأرحام ، وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك ، وهو تعالى وإن كان عالما بالأمرين فلا يمتنع أن يكون أحدهما معلوما بشرط والآخر بلا شرط ، وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل.
وعلى هذا يتأوّل أيضا ما روي من أخبارنا المتضمّنة للفظ البداء ، ويبيّن أنّ معناه النسخ على ما يريده جميع أهل العدل فيما يجوز فيه النسخ أو تغيّر شروطها إنّ طريقها الخبر عن الكائنات ، لأنّ البداء في اللغة هو الظهور فلا يمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنّا نظنّ خلافه ، أو نعلم ولا نعلم شرطه.
فمن ذلك ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال عليّ بن الحسين وعليّ بن أبي طالب قبله ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد : كيف لنا بالحديث مع هذه الآية (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(١) فأمّا من قال بأنّ الله تعالى لا يعلم الشيء إلّا بعد كونه فقد كفر ، انتهى.
قال المجلسي في مرآة العقول : وقد قيل في البداء وجوه أخر :
الأوّل : ما ذكره السيّد الداماد قدّس الله روحه في نبراس الضياء حيث قال :
__________________
(١) الرعد : ٣٩.