فمن تخلّف عنه فبعيد عن الشرف ، ولا يدلّنا التاريخ منذ خلق الله الدنيا على أنّ حكما نفذ بسرعة في جميع طبقات الناس كبيرا كان أو صغيرا ، رجالا أو نساء ، مؤمنا أو منافقا ، مسلما أو كافرا ، عاليا كان أو دانيا مثل هذا الحكم ، فانتشر في العالم الإسلامي وامتنع المسلمون عن شربه بسرعة بالطوع والرغبة ، ويرون ذلك فخرا لأنفسهم ، وقد دلّنا التاريخ من أحوال الأنبياء عليهمالسلام أنّهم بعد سنين متطاولة من تبليغهم أحكام الله وتحمّلهم المذلّة والأذى في ذلك يتبعهم شرذمة قليلة وعظمة نفوذ هذا الحكم الشريف بلغت درجة لا يمكن وصفها لأنّا نرى بالعيان ونسمع بالآذان أنّه قلّ ما يوجد اتفاق جميع العلماء في جميع البلدان في حكم يتعلّق بالمصلحة العامّة وهذا الحكم الشريف لمّا صدر عن مصدره خضع له جميع العلماء واستقبلوه بكلّ ارتياح وقبول ، وانقادوا إليه بكلّ ابتهاج وسرور. ولعمري أنّ هذا من النوادر الغريبة التي قلّ ما تتفق في عصر من العصور كما يدلّنا سير التواريخ لا سيّما تواريخ العظماء المصلحين.
ثمّ إنّ أصحاب الامتياز أصبحوا حيارى مبهوتين كأنّ على رؤوسهم الطير ، فكتبوا إلى لندن بهذا المضمون : «إنّه قد وقعت داهية عظمى لا يدلّنا التاريخ على مثلها في إيران وهي أنّ شرب التنباك والأنفية التي كانت عادتهم استعمالها في الليل والنهار وأهمّ لوازمهم بل كانوا يعدّونه من الواجبات في بيوتهم تركوه ثباتا حين وصلت إليهم فتوى رئيسهم بالحرمة ، ومن حين صدور الحكم من رجل واحد تركوا أعظم ما كانوا متعوّدين به منذ سنين متطاولة من غير كره ولا إجبار ، وعامّة المسلمين خضعوا لفتوى رئيسهم حتّى دوائر الحكومة الإيرانيّة ، وصار استعمال التنباك عندهم من أنكر المنكرات ولم يزالوا يكسرون الشطب والغليان ويرمون بخزفه وأخشابه إلى دائرة الامتياز» ومثل ذلك كتب السفراء إلى ممالك أوربا.
فاجتمع أصحاب الامتياز إلى السلطان واستغاثوا به فوعدهم بالعلاج وكان