الأمّة نائب الأئمّة ، حكمه مطاع وأمره لازم الاتباع ، ونحن عبيده ومطيعوه في كلّ ما يقول ؛ لأنّ الرادّ عليه على حدّ الشرك ، فيئس الوزير الأعظم من إقناع العلماء ووعدهم برفع الامتياز. فلمّا مضى أسبوع على عقد المجلس المشار إليه عقدوا مجلسا آخر وأحضروا المذكورين وحضر السلطان ناصر الدين وقالوا : قد أبطلنا الامتياز عن داخل إيران فآحاد الرعيّة مختار في بيع التنباك بأيّ وجه يريد وبأيّ ثمن وفي أيّ وقت يشاء لا إجبار في البيع غير أنّ الامتياز باق بحاله في خارج المملكة والتنباك من إيران يحمل إلى المملكة العثمانيّة فقط ومعلوم عندكم أنّ اختيار الخارج ليس بأيدينا فنستدعى من العلماء أن يصعدوا المنابر ويعلنوا بالإباحة.
فقالوا : ما أفتينا بتحريمه حتّى نفتي بإباحته ولا ربط لنا في المسألة ، إنّما القول قول السيّد الكبير الميرزا الشيرازي منه الأمر ومنّا الإطاعة والانقياد فراجعوه أنتم في المسألة حتّى يتبيّن لكم الأمر ، كتبوا صورة برقيّة وختموها بخواتيم العلماء وأرسلوها إلى سامرّاء وكانوا في انتظار الحكم بالإباحة فإذا بالجواب من سامرّاء مفادّه التشكّر من السلطان والرجاء بقطع أيدي الأجانب من إيران ، فلم يبق مجال للسلطان على علماء دار الخلافة فبقي حكم الحرمة بحاله.
فلمّا مضى أسبوع رأى الناس في صبيحة يوم الاثنين إعلانا على حائط شمس العمارة مفادّه أنّ يوم الاثنين الآتي نحن مأمورون بالجهاد فمن كان مسلما فيجب عليه الجهاد بفتوى الإمام الشيرازي مدّ ظلّه ، فولول الناس فهاجوا وماجوا وانتشر الخبر إلى تمام دار الخلافة وخاف الأجانب على أنفسهم فجعلوا ينهزمون خفية حتّى أنّ كثيرا منهم خرجوا من إيران لا بسي ثياب النساء وكانت قلوبهم مملوءة رعبا من الحكم بحرمة الدخان وقالوا : إنّ المسلمين مستميتون ونرى أنّ رئيسهم الديني لو أمرهم بإحراق أنفسهم بالنار لا يتخلّفون عن أمره فالإقامة في إيران فيها خطر عظيم. وأمّا أصحاب الامتياز فلجئوا إلى شمس العمارة واستغاثوا