الكيس كما أعطيت قبل ذلك ، وتركني بعد ذلك أقبّل رأسه وقال : إنّما منعتك ذلك لأنه لم يكن وصل إليك من معروفي ما يوجب هذا ، فالآن قد لحقك بعض النفع مني ، يا غلام أعطه الدار الفلانية ، يا غلام افرش له الفرش الفلاني ، يا غلام أعطه مائتي ألف درهم يقضي دينه بمائة ألف ويصلح شأنه بمائة ألف ، ثم قال لي : الزمني وكن في داري ، فقلت : أعزّ الله الوزير ، لو أذنت لي بالشخوص إلى المدينة لأقضي الناس أموالهم ثم أعود إلى حضرتك ، كان ذلك أرفق لي ، فقال : قد فعلت ، وأمر بتجهيزي ، فشخصت إلى المدينة ، فقضيت ديني ثم رجعت إليه ، فلم أزل في ناحيته. واللفظ لحديث علي بن عمر.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمّد الحسن بن علي الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيّوية قال : رأيت في كتاب سمع من ابن معروف ، ثنا الحسين (١) بن الفهم ، ثنا محمّد بن سعد (٢) قال : وحدّثني أحمد بن مسبّح ، حدّثني عبد الله بن عبيد الله قال : قال الواقدي : حجّ هارون الرشيد ، فورد المدينة ، فقال ليحيى بن خالد : ارتد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد ، وكيف كان نزول جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم ومن أيّ وجه كان يأتيه ، وقبور الشهداء ، فسألت يحيى بن خالد ، فكلّ دلّه عليّ ، فبعث إليّ ، فأتيته ، وذلك بعد العصر ، فقال لي : يا شيخ إنّ أمير المؤمنين أعزّه الله يريد أن تصلّي عشاء الآخرة في المسجد وتمضي معنا إلى هذه المشاهد ، فتوقفنا عليها ، والموضع الذي يأتي جبريل ، فكن بالقرب ، فلمّا صلّيت عشاء الأخيرة إذا أنا بشموع قد خرجت ، وإذا أنا برجلين على حمارين ، فقال يحيى : أين الرجلان (٣)؟ ، فقلت : ها أنذا ؛ فأتيت به إلى دور المسجد ، فقلت : هذا الموضع الذي كان جبريل يأتيه ، فنزلا عن حماريهما فصلّيا ركعتين ودعوا الله ساعة ثم ركبا وأنا بين أيديهما ، فلم أدع موضعا من المواضع ، ولا مشهدا من المشاهد إلّا مررت بهما عليه ، فجعلا يصلّيان ويجتهدان في الدعاء ، فلم نزل كذلك حتى وافينا المسجد وقد طلع الفجر ، وأذّن المؤذن ، فلمّا صارا إلى القصر قال لي يحيى بن خالد : أيّها الشيخ لا تبرح ، فصلّيت الغداة في المسجد ، وهو على الرحلة إلى مكة ، فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت ، فأدنى (٤) مجلسي وقال لي : إنّ أمير المؤمنين أعزّه الله لم يزل باكيا ، وقد أعجبه ما دللته عليه ،
__________________
(١) صحفت في «ز» إلى : الحسن.
(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ٤٢٥ وما بعدها.
(٣) كذا بالأصل و «ز» ، وفي طبقات ابن سعد : أين الرجل.
(٤) بالأصل : «فأذني» تصحيف ، والمثبت عن «ز» ، وابن سعد.