وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم ، فإذا ببدرة مبدّرة قد دفعت إليّ ، وقال لي : يا شيخ خذها مبارك لك فيها ، ونحن على الرحلة اليوم ، ولا عليك أن تلقانا حيث كنا ، واستقرّت بنا الدار إن شاء الله.
ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي ذلك المال ، فقضينا منه دينا كان علينا ، وزوّجت بعض الولد ، واتّسعنا ، ثم إنّ الدهر أعضّنا فقالت لي أم عبد الله : يا [أبا](١) عبد الله : ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك ، وسألك أن تصير إليه حيث استقرت به الدار؟ فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق ، فأتيت العراق ، فسألت عن خبر أمير المؤمنين فقالوا لي : هو بالرقّة ، فأردت الانصراف إلى المدينة ، فنظرت فإذا أنا بالمدينة مختلّ الحال ، فحملت نفسي على أن أصير إلى الرقّة ، فصرت إلى موضع الكرى فإذا أنا بعدة فتيان من الجند يريدون الرقّة ، فلمّا رأوني قالوا : أيها الشيخ ، أين تريد؟ فخبرتهم بخبري ، وإني أريد الرّقّة ، فنظرنا في كراء الجمّالين فإذا هو يصعب (٢) علينا ، فقالوا : أيها الشيخ هل لك أن تصير إلى السفن هو أرفق بنا وأيسر علينا من كراء الجمال؟ فقلت لهم : ما أعرف من هذا شيئا ، والأمر إليكم ، فصرنا إلى السفن فاكترينا فما رأيت أحدا أبرّ بي منهم ، ولا أشفق ولا أحوط ، يتكلفون من خدمتي وطعامي ما يتكلّفه الولد من والده ، حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرّقّة ، وكان الجواز صعبا جدا ، فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني في عدادهم ، فمكثنا أياما ثم جاءنا الإذن بأسمائنا ، فجزت مع القوم ، فصرت إلى موضع لهم في خان نزول فأقمت معهم أياما ، وطلبت الإذن على يحيى بن خالد ، فصعب عليّ ، فأتيت أبا البختري وهو بي عارف ، فلقيته فقال لي : أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغرّرت ولكن لست أدع أن أذكرك له ، وكنت أغدو إلى بابه وأروح ، فقلّت نفقتي واستحييت من رفقائي ، وتخرّقت ثيابي ، وأيست من ناحية أبي البختري ، فلم أخبر رفقائي بشيء ، فخرجت منصرفا إلى المدينة ، فمرة أنا في سفينة ومرة أمشي حتى وردت السّيلحين (٣) فبينا أنا مستريحا (٤) في سوقها إذا أنا بقافلة من بغداد ، فسألت منهم فأخبروني أنهم من أهل مدينة الرسول وأنّ صاحبهم بكار الزبيري
__________________
(١) سقطت من الأصل و «ز» ، واستدركت عن ابن سعد.
(٢) في ابن سعد : تضعف علينا.
(٣) بالأصل : «السياحين» تصحيف ، والتصويب عن «ز» ، وابن سعد. والسيلعين : موضع قرب بغداد (معجم البلدان).
(٤) كذا بالأصل و «ز» ، وفي «ز» : مستريح.