الشفاعة عنده إلا بإذنه ، إذ هو تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب. وفي هذه دليل على عظم عزته وكبريائه كما قال : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) (١) الآية. ولما كان الخطاب عاما وكان الكفار يقولون عن أصنامهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ردّ ذلك تعالى عليهم ، وناسب ذكر الشفاعة التي تكون في القيامة بعد ذكر المبدأ ليجمع بين الطرفين : الابتداء والانتهاء. وقال أبو مسلم الأصبهاني : الشفيع هنا من الشفع الذي يخالف الوتر ، فمعنى الآية : أنه أوجد العالم وحده لا شريك يعينه ، ولم يحدث شيء في الوجود إلا من بعد أن قال له : كن. وقال أبو البقاء : يدبر الأمر ، يجوز أن يكون مستأنفا وخبرا ثانيا وحالا.
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ) : أي المتصف بالإيجاد والتدبير والكبرياء هو ربكم الناظر في مصالحكم ، فهو المستحق للعبادة ، إذ لا يصلح لأن يعبد إلا هو تعالى ، فلا تشركوا به بعض خلقه.
(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) : حض على التدبير والتفكر في الدلائل الدالة على ربوبيته وإمحاض العبادة له.
(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) : ذكر ما يقتضي التذكير وهو كون مرجع الجميع إليه ، وأكد هذا الإخبار بأنه وعد الله الذي لا شك في صدقه ثم استأنف الإخبار وفيه معنى التعليل بابتداء الخلق وإعادته وأن مقتضى الحكمة بذلك هو جزاء المكلفين على أعمالهم. وانتصب وعد الله وحقا على أنهما مصدران مؤكدان لمضمون الجملة والتقدير : وعد الله وعدا ، فلما حذف الناصب أضاف المصدر إلى الفاعل وذلك كقوله : (صِبْغَةَ اللهِ) (٢) و (صُنْعَ اللهِ) (٣) والتقدير : في حقا حق ذلك حقا. وقيل : انتصب حقا بوعد على تقدير في أي وعد الله في حق. وقال علي بن سليمان التقدير : وقت حق وأنشد :
أحقا عباد الله أن لست خارجا |
|
ولا والجا إلا عليّ رقيب |
وقرأ عبد الله ، وأبو جعفر ، والأعمش ، وسهل بن شعيب : أنه يبدأ بفتح الهمزة. قال الزمخشري : هو منصوب بالفعل ، أي : وعد الله تعالى بدء الخلق ثم إعادته ، والمعنى :
__________________
(١) سورة النبأ : ٧٨ / ٣٨.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٣٨.
(٣) سورة النمل : ٢٧ / ٨٨.