فبشارة إلى آخره ، فعلى طريق المعتزلة ، فإنّ الغفران لا يكون إلا لمن تاب. قال ابن الأنباري : إنما أشار إلى ذلك اليوم لأنه أول أوقات العفو ، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة. وأجاز الحوفي أن يكون عليكم في موضع الصفة لتثريب ، ويكون الخبر اليوم ، وهو وجه حسن. وقيل : عليكم بيان كلك في قولهم : سقيا لك ، فيتعلق بمحذوف. ونصوا على أنه لا يجوز أن يتعلق عليكم بتثريب ، لأنه كان يعرب ، فيكون منونا لأنه يصير من باب المشبه بالمضاف. ولو قيل : إن الخبر محذوف ، وعليكم متعلق بمحذوف يدل عليه تثريب ، وذلك المحذوف هو العامل في اليوم وتقديره : لا تثريب يثرب عليكم اليوم ، كما قدروا في (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (١) أي : يعصم اليوم ، لكان وجها قويا ، لأنّ خبر لا إذا علم كثر حذفه عند أهل الحجاز ، ولم يلفظ به بنو تميم. ولما دعا لهم بالمغفرة أخبر عن الله بالصفة التي هي سبب الغفران ، وهو أنه تعالى أرحم الرحماء ، فهو يرجو منه قبول دعائه لهم بالمغفرة.
والباء في بقميصي الظاهر أنها للحال أي : مصحوبين أو ملتبسين به. وقيل : للتعدية أي : اذهبوا بقميصي ، أي احملوا قميصي. قيل : هو القميص الذي توارثه يوسف وكان في عنقه ، وكان من الجنة ، أمره جبريل عليهالسلام أن يرسله إليه فإن فيه ريح الجنة ، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي. وقيل : كان لابراهيم كساه الله إياه من الجنة حين خرج من النار ، ثم لإسحاق ، ثم ليعقوب ، ثم ليوسف. وقيل : هو القميص الذي قدّ من دبر ، أرسله ليعلم يعقوب أنه عصم من الفاحشة. والظاهر أنه قميص من ملبوس يوسف بمنزلة قميص كل واحد ، قال ذلك : ابن عطية. وهكذا تتبين الغرابة في أن وجد يعقوب ريحه من بعد ، ولو كان من قمص الجنة ما كان في ذلك غرابة ولوجده كل أحد. وقوله : فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ، يدل على أنه علم أنه عمى من الحزن ، إما بإعلامهم ، وإما بوحي. وقوله : يأت بصيرا ، يظهر أنه بوحي. وأهلوه الذين أمر بأن يؤتى بهم سبعون ، أو ثمانون ، أو ثلاثة وتسعون ، أو ستة وتسعون ، أقوال أولها للكلبي وثالثها لمسروق. وفي واحد من هذا العدد حلوا بمصر ونموا حتى خرج من ذريتهم مع موسى عليهالسلام ستمائة ألف. ومعنى : يأت ، يأتيني ، وانتصب بصيرا على الحال.
(وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ. قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ
_________________
(١) سورة هود : ١١ / ٤٣.