ناجى بعضهم بعضا في أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم. وقيل : يثنونها حياء من الله تعالى ، ومعنى يستغشون : يجعلونها أغشية. ومنه قول الخنساء :
أرعى النجوم وما كلفت رعيتها |
|
وتارة أتغشى فضل أطماري |
وقيل : المراد بالثياب الليل ، واستعيرت له لما بينهما من العلاقة بالستر ، لأن الليل يستر كما تستر الثياب ومنه قولهم : الليل أخفى للويل. وقرأ ابن عباس : على حين يستغشون. قال ابن عطية : ومن هذا الاستعمال قول النابغة :
على حين عاتبت المشيب على الصبا |
|
وقلت ألما أصح والشيب وازع |
انتهى.
وقال ابن عباس : ما يسرون بقلوبهم ، وما يعلنون بأفواههم. وقيل : ما يسرون بالليل وما يعلنون بالنهار. وقال ابن الأنباري : معناه أنه يعلم سرائرهم كما يعلم مظهرانهم. وقال الزمخشري : يعني أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم ، فلا وجه لتوصلهم إلى ما يريدون من الاستخفاء والله مطلع على ثنيهم صدورهم ، واستغشائهم بثيابهم ، ونفاقهم غير نافق عنده. وقال صاحب التحرير : الذي يقتضيه سياق الآية أنه أراد بما يسرون ما انطوت عليه صدورهم من الشرك والنفاق والغل والحسد والبغض للنبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، لأنّ ذلك كله من أعمال القلوب ، وأعمال القلوب خفيه جدّا ، وأراد بما يعلنون ما يظهرونه من استدبارهم النبي صلىاللهعليهوسلم وتغشية ثيابهم ، وسدّ آذانهم وهذه كلها أعمال ظاهرة لا تخفى.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) : الدابة هنا عام في كل حيوان يحتاج إلى رزق ، وعلى الله ظاهر في الوجوب ، وإنما هو تفضل ، ولكنه لما ضمن تعالى أن يتفضل به عليهم أبرزه في حيز الوجوب. قال ابن عباس : مستقرها حيث تأوى إليه من الأرض ، ومستودعها الموضع الذي تموت فيه فتدفن. وعنه أيضا : مستقرها في الرحم ، ومستودعها في الصلب. وقال الربيع بن أنس : مستقرها في أيام حياتها ، ومستودعها حين تموت وحين تبعث. وقيل : مستقرها في الجنة أو في النار ، ومستودعها في القبر ، ويدل عليه : (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا) (١) و (ساءَتْ مُسْتَقَرًّا) (٢) وقيل : ما يستقر عليه عملها ، ومستودعها ما تصير إليه. وقيل : المستقر ما حصل موجودا من الحيوان ، والمستودع ما سيوجد بعد المستقر. وقال الزمخشري : المستقر مكانه من الأرض
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٧٦.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٦٦.