عُيُوناً) (١) إذ يمكن أن يراد بالأرض أماكن التنانير ، والتفجير غير الفوران ، فحصل الفوران للتنور ، والتفجير للأرض. والضمير في فيها عائد على الفلك ، وهو مذكر أنث على معنى السفينة ، وكذلك قوله : وقال اركبوا فيها.
وقرأ حفص : من كل زوجين بتنوين ، كل أي من كل حيوان وزوجين مفعول ، واثنين نعت توكيد ، وباقي السبعة بالإضافة ، واثنين مفعول احمل ، وزوجين بمعنى العموم أي : من كل ما له ازدواج ، هذا معنى من كل زوجين قاله أبو علي وغيره. قال ابن عطية : ولو كان المعنى احمل فيها من كل زوجين حاصلين اثنين ، لوجب أن يحمل من كل نوع أربعة ، والزوج في مشهور كلام العرب للواحد مما له ازدواج ، فيقال : هذا زوج ، هذا وهما زوجان ، وهذا هو المهيع في القرآن في قوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) (٢) ثم فسرها وفي قوله : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٣) وقال الأخفش : وقد يقال في كلام العرب للاثنين زوج ، هكذا تأخذه العدديون. والزوج أيضا في كلام العرب النوع كقوله تعالى : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٤) وقال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) (٥) انتهى.
ولما جعل المطر ينزل كأفواه القرب جعلت الوحوش تطلب وسط الأرض هربا من الماء ، حتى اجتمعن عند السفينة فأمره الله أن يحمل من الزوجين اثنين ، يعني : ذكرا وأنثى ليبقى أصل النسل بعد الطوفان. فروي أنه كان يأتيه أنواع الحيوان فيضع يمينه على الذكر ويساره على الأنثى ، وكانت السفينة ثلاث طبقات : السفلى للوحوش ، والوسطى للطعام والشراب ، والعليا له ولمن آمن. وأهلك معطوف على زوجين إن نوّن كل ، وعلى اثنين إن أضيف ، واستثنى من أهله من سبق عليه القول بالهلاك وأنه من أهل النار. قال الزمخشري : سبق عليه القول أنه يختار الكفر لا لتقديره عليه وإرادته تعالى غير ذلك انتهى. وهو على طريقة الاعتزال ، والذي سبق عليه القول امرأته واعلة بالعين المهملة ، وابنه كنعان. ومن آمن عطف على وأهلك ، قيل : كانوا ثمانين رجلا وثمانين امرأة ، وقيل : كانوا ثلاثة وثمانين. وقال ابن عباس : آمن معه ثمانون رجلا ، وعنه ثمانون إنسانا ، ثلاثة من بنيه سام وحام ويافث ، وثلاث كنائن له ، ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية تدعى اليوم قرية
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ١٢.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٤٣.
(٣) سورة النجم : ٥٣ / ٤٥.
(٤) سورة الحج : ٢٢ / ٥.
(٥) سورة يس : ٣٦ / ٣٦.