لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) : أي يزيد في هداهم بسبب إيمانهم السابق وتثبتهم ، فأما الذين آمنوا فزادتهم أو يهديهم إلى طريق الجنة بنور إيمانهم كما قال : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (١) قال مجاهد : يكون لهم إيمانهم نورا يمشون به. وفي الحديث : «إذا قام من قبره يمثل له رجل جميل الوجه طيب الرائحة فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقوده إلى الجنة» وبعكس هذا في الكافر. وقال ابن الأنباري : إيمانهم يهديهم إلى خصائص المعرفة ، ومزايا في الألطاف تسر بها قلوبهم وتزول بها الشكوك والشبهات عنهم كقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (٢) وهذه الزوائد والفوائد يجوز حصولها في الدنيا قبل الموت ، ويجوز حصولها بعد الموت. قال القفال : وإذا حملنا الآية على هذا كان المعنى يهديهم ربهم بإيمانهم ، وتجري من تحتهم الأنهار ، إلا أنه حذف الواو. وقيل : معناه تقدّمهم إلى الثواب من قول العرب : القدم تهدي الساق. وقال الحسن : يرحمهم. وقال الكلبي : يدعوهم. والظاهر أنّ تجري مستأنفا فيكون قد أخبر عنهم بخبرين عظيمين : أحدهما هداية الله لهم وذلك في الدنيا والآخر بجريان الأنهار ، وذلك في الآخرة. كما تضمنت الآية في الكفار شيئين : أحدهما : اتصافهم بانتفاء رجاء لقاء الله وما عطف عليه ، والثاني : مقرهم ومأواهم وذلك النار ، فصار تقسيما للفريقين في المعنى. وتقدّم قول القفال : أن يكون تجري معطوفا حذف منه الحرف ، وأن يكون حالا ومعنى من تحتهم أي : من تحت منازلهم. وقيل : من بين أيديهم ، وليس التحت الذي هو بالمسافة ، بل يكون إلى ناحية من الإنسان. ومنه : (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) (٣) وقال : وهذه الأنهار تجري من تحتي.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : دلت هذه الآية على أنّ الإيمان الذي يستحق به العبد الهداية والتوفيق والنور يوم القيامة هو الإيمان المقيد ، وهو الإيمان المقرون بالعمل الصالح ، والإيمان الذي لم يقترن بالعمل الصالح فصاحبه لا توفيق له ولا نور. (قلت) : الأمر كذلك ، ألا ترى كيف أوقع الصلة مجموعا فيها بين الإيمان والعمل كأنه قال : إنّ الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح ثم قال : بإيمانهم ، أي بإيمانهم المضموم إليه هذا العمل الصالح ، وهو بين واضح لا شبهة فيه انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. وجوزوا
__________________
(١) سورة الحديد : ٥٧ / ١٢.
(٢) سورة محمد : ٤٧ / ١٧.
(٣) سورة مريم : ١٩ / ٢٤.