ووصل إلى هذا المعنى بقوله : فنذر الذين لا يرجون ، فتأمل هذا التقدير تجده صحيحا قاله ابن عطية. وقيل : نزلت في قولهم : ائتنا بما تعدنا ، وما جرى مجراه. وقال الزمخشري : والمراد أهل مكة. وقولهم : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) (١) يعني : ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير لأميتوا وأهلكوا. قال : (فإن قلت) : كيف اتصل به فنذر الذين لا يرجون لقاءنا ، وما معناه؟ (قلت) : قوله : ولو يعجل الله متضمن معنى نفي التعجيل كأنه قال : ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم ، فنذرهم في طغيانهم ، أو فنمهلهم ، ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاما للحجة عليهم. ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنّه تعالى لما ذكر عجب الناس من إيحاء الله إلى رجل منهم ، وكان فيما أوحي إليه الإنذار والتبشير ، وكانوا يستهزؤون بذلك ولا يعتقدون حلول ما أنذروه بهم فقالوا : «فأمطر علينا حجارة» (٢) وقال إخبارا عنهم : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) (٣) وقالوا : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) (٤) ثم استطرد من ذلك إلى وحدانيته تعالى ، وذكر إيجاده العالم ، ثم إلى تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر ، وذكر منازل الفريقين ثم رجع إلى أن ذلك المنذر به الذي طلبوا وقوعه عجلا لو وقع لهلكوا ، فلم يكن في إهلاكهم رجاء إيمان بعضهم ، وإخراج مؤمن من صلبهم بل اقتضت حكمته أن لا يعجل لهم ما طلبوه ، لما ترتب على ذلك. وانتصب استعجالهم على أنه مصدر مشبه به. فقال الزمخشري : أصله ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير ، فوضع استعجاله لهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارا بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم ، كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم. وقال الحوفي وابن عطية : التقدير مثل استعجالهم ، وكذا قدره أبو البقاء. ومدلول عجل غير مدلول استعجل ، لأنّ عجل يدل على الوقوع ، واستعجل يدل على طلب التعجيل ، وذاك واقع من الله ، وهذا مضاف إليهم فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري ، فيحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون التقدير تعجيلا مثل استعجالهم بالخير ، فشبه التعجيل بالاستعجال ، لأنّ طلبهم للخير ووقوع تعجيله مقدم عندهم على كل شيء. والثاني : أن يكون ثم محذوف يدل عليه المصدر تقديره : ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير ، لأنّهم كانوا يستعجلون بالشر ووقوعه على سبيل التهكم ، كما كانوا يستعجلون بالخير. وقرأ ابن عامر : لقضي مبنيا للفاعل أجلهم بالنصب ، والأعمش لقضينا ، وباقي السبعة مبنيا للمفعول ،
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٣٢.
(٢) سورة الأنفال : ٨ / ٣٢.
(٣) سورة الحج : ٢٢ / ٤٧.
(٤) سورة الأعراف : ٧ / ٧٠.