الثاني يلزم فيه من مسه الضر في هذه الأحوال دعاؤه في هذه الأحوال ، لأنه جواب ما ذكرت فيه هذه الأحوال ، فالقيد في حيز الشرط قيد في الجواب كما تقول : إذا جاءنا زيد فقيرا أحسنا إليه ، فالمعنى : أحسنا إليه في حال فقره ، فالقيد في الشرط قيد في الجزاء. ومعنى كشف الضر : رفعه وإزالته ، كأنه كان غطاء على الإنسان ساترا له. وقال صاحب النظم : وإذا مس الإنسان وصفه للمستقبل ، وفلما كشفنا للماضي فهذا النظم يدل على أن معنى الآية : أنه هكذا كان فيما مضى وهكذا يكون في المستقبل ، فدل ما في الآية من الفعل المستقبل على ما فيه من المعنى المستقبل ، وما فيه من الفعل الماضي على ما فيه من المعنى الماضي انتهى. والمرور هنا مجاز عن المضي على طريقته الأول من غير ذكر لما كان عليه من البلاء والضر. وقال مقاتل : أعرض عن الدعاء. وقيل : مرّ عن موقف الابتهال والتضرع لا يرجع إليه ، كأنه لا عهد له به ، وهذا قريب من القول الذي قبله. والجملة من قوله : كان لم يدعنا إلى ضر مسه في موضع الحال ، أي إلى كشف ضر مسه. قال ابن عطية : وقوله مر ، يقتضي أنّ نزولها في الكفار ، ثم هي بعد تتناول كل من دخل تحت معناها من كافر وعاص يعني الآية مر في إشراكه بالله وقلة توكله عليه انتهى. والكاف من كذلك في موضع نصب أي : مثل ذلك. وذلك إشارة إلى تزيين الإعراض عن الابتهال إلى الله تعالى عند كشف الضر وعدم شكره وذكره على ذلك ، وزين مبني للمفعول ، فاحتمل أن يكون الفاعل الله إمّا على سبيل خلق ذلك واختراعه في قلوبهم كما يقول أهل السنة ، وإما بتخليته وخذلانه كما تقول المعتزلة ، أو الشيطان بوسوسته ومخادعته. قيل : أو النفس. وفسر المسرفون بالكافرين والكافر مسرف لتضييعه السعادة الأبدية بالشهوة الخسيسة المنقضية ، كما يضيع المنفق ماله متجاوزا فيه الحدّ ما كانوا يعملون من الإعراض عن جناب الله وعن اتباع الشهوات.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) : هذا إخبار لمعاصري الرسول صلىاللهعليهوسلم وخطاب لهم بإهلاك من سلف قبلهم من الأمم بسبب ظلمهم وهو الكفر ، على سبيل الردع لهم والتذكير بحال من سبق من الكفار ، والوعيد لهم ، وضرب الأمثال. فكما فعل بهؤلاء ، يفعل بكم. ولفظة لما مشعرة بالعلية ، وهي حرف تعليق في الماضي. ومن ذهب إلى أنها ظرف معمول لأهلكنا كالزمخشري متبعا لغيره ، فإنما يدل إذ ذاك على وقوع الفعل في حين الظلم ، فلا يكون لها