ادّعوا أنّ لله شريكا في الأرض لا في غيرها. والظاهر في أم في قوله : أم ، بظاهر أنها منقطعة أيضا أي : بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة أي : أنكم تنطقون بتلك الأسماء وتسمونها آلهة ولا حقيقة لها ، إذ أنتم لا تعلمون أنها لا تتصف بشيء من أوصاف الألوهية كقوله : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) (١) وقال مجاهد : أم بظاهر من القول. وقال قتادة : بباطل من القول ، لا باطن له في الحقيقة. ومنه قول الشاعر :
أعيرتنا ألبانها ولحومها |
|
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر |
أي باطل. وقيل : أم متصلة ، والتقدير : أم تنبئونه بظاهر من القول لا حقيقة له كقوله : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) (٢) ثم قال بعد هذا الحجاج على وجه التحقير لما هم عليه : بل زين للذين كفروا مكرهم. وقال الواحدي : لما ذكر الدلائل على فساد قولهم وقال : دع ذلك الدليل لأنهم لا ينتفعون به ، لأنه زيّن لهم مكرهم. وقرأ مجاهد : بل زين على البناء للفاعل مكرهم بالنصب. والجمهور : زين على البناء للمفعول مكرهم بالرفع أي : كيدهم للإسلام بشركهم ، وما قصدوا بأقوالهم وأفعالهم من مناقضة الشرع. وقرأ الكوفيون : وصدّوا هنا ، وفي غافر بضم الصاد مبنيا للمفعول ، فالفعل متعد. وقرأ باقي السبعة : بفتحها ، فاحتمل التعدّي واللزوم أي : صدوا أنفسهم أو غيرهم. وقرأ ابن وثاب : وصدوا بكسر الصاد ، وهي كقراءة ردت إلينا بكسر الراء. وفي اللوامح الكسائي لابن يعمر : وصدوا بالكسر لغة ، وفي الضم أجراه بحرف الجر نحو قبل ، فأما في المؤمن فبالكسر لابن وثاب انتهى. وقرأ ابن أبي إسحاق : وصد بالتنوين عطفا على مكرهم. قال الزمخشري : ومن يضلل الله ، ومن يخذله يعلمه أنه لا يهتدي ، فما له من هاد فما له من واحد يقدر على هدايته انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. والعذاب في الدنيا هو ما يصيبهم بسبب كفرهم من القتل والأسر والنهب والذلة والحروب والبلايا في أجسامهم ، وغير ذلك مما يمتحن به الكفار. وكان عذاب الآخرة أشق على النفوس ، لأنه إحراق بالنار دائما (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (٣) ومن واق : من ساتر يحفظهم من العذاب ويحميهم ، ولما ذكر ما أعد للكفار في الآخرة ذكر ما أعد للمؤمنين فقال : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤٠.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ٣٠.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٥٦.