لا جرم. وقرأ ابن عباس ، وابن مسعود وأبو رجاء ، وشيبة ، ونافع ، وأكثر أهل المدينة : مفرطون بكسر الراء من أفرط حقيقة أي : متجاوزون الحد في معاصي الله. وباقي السبعة ، والحسن ، والأعرج ، وأصحاب ابن عباس ، ونافع في رواية ، بفتح الراء من أفرطته إلى كذا قدمته ، معدى بالهمزة من فرط إلى كذا تقدم إليه. قال القطامي :
واستعجلونا وكانوا من صحابتنا |
|
كما تعجل فراط لوراد |
ومنه «أنا فرطكم على الحوض» أي متقدمكم. وقال ابن جبير ، ومجاهد ، وابن أبي هند : مفرطون مخلفون متروكون في النار من أفرطت فلانا خلفى إذا خلفته ونسيته. قال أبو البقاء : تقول العرب أفرطت منهم ناسا أي خلفتهم ونسيتهم. وقرأ أبو جعفر : مفرطون مشددا من فرط أي : مقصرون مضيعون. وعنه أيضا : فتح الراء وشدها أي ، مقدمون من فرطته المعدى بالتضعيف من فرط بمعنى : تقدم. ثم أخبر تعالى بإرسال الرسل إلى أمم من قبل أممك ، مقسما على ذلك ومؤكدا بالقسم وبقد التي تقتضي تحقيق الأمر على سبيل التسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم لما كان يناله بسبب جهالات قومه ونسبتهم إلى الله ما لا يجوز ، فزين لهم الشيطان أعمالهم من تماديهم على الكفر ، فهو وليهم اليوم حكاية حال ماضية أي : لا ناصر لهم في حياتهم إلا هو ، أو عبر باليوم عن وقت الإرسال ومحاورة الرسل لهم ، أو حكاية حال آتية وهي يوم القيامة. وأل في اليوم للعهد ، وهو اليوم المشهود ، فهو وليهم في ذلك اليوم أي : قرينهم وبئس القرين. والظاهر عود الضمير في وليهم إلى أمم. وقال الزمخشري : ويجوز أن يرجع الضمير إلى مشركي قريش ، وأنه زين للكفار قبلهم أعمالهم ، فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم. ويجوز أن يكون على حذف المضاف أي : فهو ولي أمثالهم اليوم انتهى. وهذا فيه بعد ، لاختلاف الضمائر من غير ضرورة تدعو إلى ذلك ، ولا إلى حذف المضاف. واللام في لتبين لام التعليل ، والكتاب القرآن ، والذي اختلفوا فيه من الشرك والتوحيد والجبر والقدر وإثبات المعاد ونفيه ، وغير ذلك مما يعتقدون من الأحكام : كتحريم البحيرة ، وتحليل الميتة والدم ، وغير ذلك من الأحكام. وهدى ورحمة في موضع نصب على أنهما مفعول من أجله ، وانتصبا لاتحاد الفاعل في الفعل وفيهما ، لأن المنزل هو الله وهو الهادي والراحم. ودخلت اللام في لتبين لاختلاف الفاعل ، لأن المنزل هو الله ، والتبيين مسند للمخاطب وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم. وقول الزمخشري : معطوف محل لتبين ليس بصحيح ، لأنّ محله ليس نصبا فيعطف منصوب عليه. ألا ترى أنه لو نصبه لم يجز لاختلاف الفاعل؟.