وهو ظاهر الافتراء الوارد في آي القرآن. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد أنه كان شرعهم لاتباعهم سننا لا يرضاها الله افتراء عليه ، لأنّ من شرع أمرا فكأنه قال لتابعه : هذا هو الحق ، وهذا مراد الله. ثم أخبر تعالى عن الذين يفترون على الله الكذب بانتفاء الفلاح.
والفلاح : الظفر بما يؤمل ، فتارة يكون في البقاء كما قال الشاعر :
والمسى والصبح لا فلاح معه
وتارة في نجح المساعي كما قال عبيد بن الأبرص :
أفلح بما شئت فقد يب |
|
لغ بالضعف وقد يخدع الأريب |
وارتفاع متاع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، فقدر الزمخشري منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعقابها عظيم. وقال ابن عطية : عيشهم في الدنيا. وقال العسكري : يجوز أن يكون المتاع هنا ما حللوه لأنفسهم مما حرمه الله تعالى. وقال أبو البقاء : بقاؤهم متاع قليل. وقال الحوفي : متاع قليل ابتداء وخبر انتهى. ولا يصح إلا بتقدير الإضافة أي : متاعهم قليل. ولما بيّن تعالى ما يحل وما يحرم لأهل الإسلام ، أتبعه بما كان خص به اليهود محالا على ما تقدم ذكره في سورة الأنعام ، وهذا يدل على أنّ سورة الأنعام نزلت قبل هذه السورة ، إذ لا تصح الحوالة إلا بذلك. ويتعلق من قبل بقصصنا ، وهو الظاهر. وقيل : بحرمنا ، والمحذوف الذي في من قبل تقديره من قبل تحريمنا على أهل ملتك. والسوء هنا قال ابن عباس : الشرك قبل المعرفة بالله انتهى. ما يسوء صاحبه من كفر ومعصية غيره. والكلام في للذين عملوا وما يتعلق به تقدم نظيره في قوله : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا) (١) فأغنى عن إعادته. وقال قوم : بجهالة تعمد. وقال ابن عطية : ليست هنا ضد العلم ، بل تعدى الطور وركوب الرأس منه : أو أجهل أو يجهل عليّ. وقول الشاعر :
ألا لا يجهلنّ أحد علينا |
|
فنجهل فوق جهل الجاهلينا |
والتي هي ضد العلم ، تصحب هذه كثيرا ، ولكن يخرج منها المتعمد وهو الأكثر. وقلّ ما يوجد في العصاة من لم يتقدم له علم بخطر المعصية التي يواقع انتهى. ملخصا. وقال الزمخشري : بجهالة في موضع الحال أي : عملوا السوء جاهلين غير عارفين بالله وبعقابه ، أو غير متدبرين للعاقبة لغلبة الشهوة عليهم. وقال سفيان : جهالته أن يلتذ بهواه ، ولا يبالي
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ١١٠.