(قلت) : يحتمل أن يكون المراد متابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد ، وهي أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة ، وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن انتهى. ولا يحتاج إلى هذا ، لأنّ المعتقد الذي تقتضيه دلائل العقول لا يمتنع أن يوحي لتظافر المعقول والمنقول على اعتقاده. ألا ترى إلى قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١) فليس اعتقاد الوحدانية بمجرد الوحي فقط ، وإنما تظافر المنقول عن الله في ذلك مع دليل العقل. وكذلك هنا أخبر تعالى أنّ ابراهيم لم يكن مشركا ، وأمر الرسول باتباعه في ذلك ، وإن كان انتفاء الشرك ليس مستنده مجرد الوحي ، بل الدليل العقلي والدليل الشرعي تظافرا على ذلك. وقال ابن عطية : قال مكي : ولا يكون ـ يعني حنيفا ـ حالا من ابراهيم لأنه مضاف إليه ، وليس كما قال لأنّ الحال قد تعمل فيها حروف الخفض إذا عملت في ذي الحال كقولك : مررت بزيد قائما انتهى. أما ما حكى عن مكي وتعليله امتناع ذلك بكونه مضافا إليه ، فليس على إطلاق هذا التعليل لأنه إذا كان المضاف إليه في محل رفع أو نصب ، جازت الحال منه نحو : يعجبني قيام زيد مسرعا ، وشرب السويق ملتوتا. وقال بعض النحاة : ويجوز أيضا ذلك إذا كان المضاف جزءا من المضاف إليه كقوله : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) (٢) إخوانا أو كالجزء منه كقوله : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٣) وقد بينا الصحيح في ذلك فيما كتبناه على التسهيل ، وعلى الألفية لابن مالك. وأما قول ابن عطية في رده على مكي بقوله : وليس كما قال ، لأنّ الحال إلى آخره فقول بعيد عن قول أهل الصنعة ، لأن الباء في بزيد ليست هي العاملة في قائما ، وإنما العامل في الحال مررت ، والباء وإن عملت الجر في زيد فإنّ زيدا في موضع نصب بمررت ، وكذلك إذا حذف حرف الجر حيث يجوز حذفه نصب الفعل ذلك الاسم الذي كان مجرورا بالحرف. ولما أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم باتباع ملة ابراهيم عليهالسلام ، وكان الرسول قد اختار يوم الجمعة ، فدل ذلك على أنه كان في شرع ابراهيم ، بين أنّ يوم السبت لم يكن تعظيمه ، واتخاذه للعبادة من شرع ابراهيم ولا دينه ، والسبت مصدر ، وبه سمي اليوم. وتقدم الكلام في هذا اللفظ في الأعراف. قال الزمخشري : سبتت اليهود إذا عظمت سبتها والمعنى : إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه ، واختلافهم
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٨.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٤٣.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٣٥.