قرأت القرآن وعلمت الشرائع ، ثم نفى جدوى ذلك الاستماع بقوله : أفأنت تسمع الصم أي هم ، وإن استمعوا إليك صم عن إدراك ما تلقيه إليهم ليس لهم وعي ولا قبول ، ولا سيما قد انضاف إلى الصمم انتفاء العقل ، فحري بمن عدم السمع والعقل أن لا يكون له إدراك لشيء البتة ، بخلاف أن لو كان الأصم عاقلا فإنه بعقله يهتدي إلى أشياء. وأعاد في قوله : ومنهم من ينظر إليك الضمير مفردا مذكرا على لفظ من ، وهو الأكثر في لسان العرب. والمعنى : أنهم عمي فلا تقدر على هدايتهم ، لأن السبب الذي يهتدي به إلى رؤية الدلائل قد فقدوه ، هذا وهم مع فقد البصر قد فقدوا البصيرة ، إذ من كان أعمى فإنه مهديه نور بصيرته إلى أشياء بالحدس ، وهذا قد جمع بين فقدان البصر والبصيرة ، وهذه مبالغة عظيمة في انتفاء قبول ما يلقى إلى هؤلاء ، إذ جمعوا بين الصمم وانتفاء العقل ، وبين العمى وفقد البصيرة. وقوله : أفأنت؟ تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأن لا يكترث بعدم قبولهم ، فإنّ الهداية إنما هي لله. قال ابن عطية : جاء ينظر على لفظ من ، وإذا جاء الفعل على لفظها فجائز أن يعطف عليه آخر على المعنى ، وإذا جاء أولا على معناها فلا يجوز أن يعطف عليه بآخر على اللفظ ، لأن الكلام يلبس حينئذ انتهى. وليس كما قال ، بل يجوز أن تراعي المعنى أولا فتعيد الضمير على حسب ما تريد من المعنى من تأنيث وتثنية وجمع ، ثم تراعي اللفظ فتعيد الضمير مفردا مذكرا ، وفي ذلك تفصيل ذكر في علم النحو. والمقصود من الآيتين : إعلامه عليهالسلام بأن هؤلاء الكفار قد انتهوا في النفرة والعداوة والبغض الشديد في رتبة من لا ينفع فيه علاج البتة ، لأنّ من كان أصم أحمق وأعمى فاقد البصيرة لا يمكن ذلك أن يقف على محاسن الكلام وما انطوى عليه من الإعجاز ، ولا يمكن هذا أن يرى ما أجرى الله على يدي رسوله من الخوارق ، فقد أيس من هداية هؤلاء. وقال الشاعر :
وإذا خفيت على المعني فعاذر |
|
أن لا تراءى مقلة عمياء |
ولما ذكر تعالى هؤلاء الأشقياء ، ذكر تعالى أنه لا يظلمهم شيئا ، إذ قد أزاح عللهم ببعثة الرسل وتحذيرهم من عقابه ، ولكن هم ظالموا أنفسهم بالكفر والتكذيب. واحتمل هذا النفي للظلم أن يكون في الدنيا أي : لا يظلمهم شيئا من مصالحهم ، واحتمل أن يكون في الآخرة وأن ما يلحقهم من العقاب هو عدل منه ، لأنهم هم الذين تسببوا فيه باكتساب ذنوبهم كما قدّر تعالى عليهم لا يسأل عما يفعل. وتقدم خلاف القراء في ، ولكنّ الناس من تشديد النون ونصب الناس وتخفيفها والرفع.