سياق الآية. والظاهر أنّ قوله : وقضى بينهم بالقسط ، جملة أخبار مستأنفة ، وليست معطوفة على ما في حيز لما ، وأن الضمير في بينهم عائد على كل نفس ظلمت. وقال الزمخشري : بين الظالمين والمظلومين دل على ذلك ذكر الظلم انتهى. وقيل : يعود على المؤمن والكافر. وقيل : على الرؤساء والأتباع.
(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) : قيل : تعلق هذه الآية بما قبلها من جهة أنه فرض أنّ النفس الظالمة لو كان لها ما في الأرض لافتدت به ، وهي لا شيء لها البتة ، لأنّ جميع الأشياء إنما هي بأسرها ملك لله تعالى ، وهو المتصرف فيها ، إذ له الملك والملك. ويظهر أنّ مناسبتها لما قبلها أنه لما سألوا عما وعدوا به من العذاب أحق هو؟ وأجيبوا بأنه حق لا محالة ، وكان ذلك جوابا كافيا لمن وفقه الله تعالى للإيمان ، كما كان جوابا للأعرابي حين سأل الرسول صلىاللهعليهوسلم : آلله أرسلك؟ قوله عليهالسلام له : «اللهم نعم» فقنع منه بإخباره صلىاللهعليهوسلم إذ علم أنه لا يقول إلا الحق والصدق ، كما قال هرقل : لم يكن ليدع الكذب ويكذب على الله. انتقل من هذا الجواب إلى ذكر البرهان القاطع على حجته. وتقريره بأن القول بالنبوة والمعاد يتفرعان على إثبات الإله القادر الحكيم ، وأنّ ما سواه فهو ملكه وملكه ، وعبر عن هذا بهذه الآية ، وكان قد استقصى الدلائل على ذلك في هذه السورة في قوله : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (١) الآية وقوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) (٢) فاكتفى هنا عن ذكرها. وإذا كان جميع ما في العالم ملكه ، وملكه كان قادرا على كل الممكنات ، عالما بكل المعلومات ، غنيا عن جميع الحاجات ، منزها عن النقائص والآفات ، وبكونه قادرا على الممكنات كان قادرا على إنزال العذاب على الكفار في الدنيا والآخرة ، وقادرا على تأييد رسوله بالدلائل وإعلاء دينه ، فبطل الاستهزاء والتعجيز. وبتنزيهه عن النقائص كان منزها عن الخلف والكذب ، فثبت أن قوله : ألا إن لله ما في السموات والأرض مقدمة توجب الجزم بصحة قوله. ألا إن وعد الله حق. وألا كلمة تنبيه دخلت على الجملتين تنبيها للغافل ، إذ كانوا مشغولين بالنظر إلى الأسباب الظاهرة من نسبة أشياء إلى أنها مملوكة لمن جعل له بعض تصرف فيها واستخلاف ، ولذلك قال تعالى : ولكن أكثرهم لا يعلمون يعني : لغفلتهم عن هذه الدلائل ، ثم أتبع ذلك بذكر قدرته على الإحياء والإماتة. فيجب أن يكون
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ٦.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٥.