و (أَنْتُمْ) من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال به لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع ونحوه (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (١) انتهى. وليس هذا حكما مجمعا عليه فلا يصح الكلام مع الإخلال به لأن الكوفيين يجيزون العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير تأكيد بالضمير المنفصل المرفوع ، ولا فصل وتنظيره ذلك : باسكن أنت وزوجك الجنة مخالف لمذهبه في (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) لأنه يزعم أن وزوجك ليس معطوفا على الضمير المستكن في (اسْكُنْ) بل قوله : (وَزَوْجُكَ) مرتفع على إضمار ، وليسكن فهو عنده من عطف الجمل وقوله هذا مخالف لمذهب سيبويه.
ولما جرى هذا السؤال وهذا الجواب تعجبوا من تضليله إياهم إذ كان قد نشأ بينهم وجوزوا أن ما قاله هو على سبيل المزاح لا الجد ، فاستفهموه أهذا جد منه أم لعب والضمير في (قالُوا) عائد على أبيه وقومه و (بِالْحَقِ) متعلق بقولهم (أَجِئْتَنا) ولم يريدوا حقيقة المجيء لأنه لم يكن عنهم غائبا فجاءهم وهو نظير (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) (٢) والحق هنا ضد الباطل وهو الجد ، ولذلك قابلوه باللعب ، وجاءت الجملة اسمية لكونها أثبت كأنهم حكموا عليه بأنه لاعب هازل في مقالته لهم ولكونها فاصلة.
ثم أضرب عن قولهم وأخبر عن الجد وأن المالك لهم والمستحق العبادة هو ربهم ورب هذا العالم العلوي والعالم السفلي المندرج فيه أنتم ومعبوداتكم نبه على الموجب للعبادة وهو منشىء هذا العالم ومخترعه من العدم الصرف. والظاهر أن الضمير في (فَطَرَهُنَ) عائد على السموات والأرض ، ولما لم تكن السموات والأرض تبلغ في العدد الكثير منه جاء الضمير ضمير القلة. وقيل في (فَطَرَهُنَ) عائد على التماثيل. قال الزمخشري : وكونه للتماثيل أدخل في تضليلهم وأثبت للاحتجاج عليهم انتهى. وقال ابن عطية : (فَطَرَهُنَ) عبارة عنها كأنها تعقل ، هذه من حيث لها طاعة وانقياد وقد وصفت في مواضع بما يوصف به من يعقل. وقال غير (فَطَرَهُنَ) أعاد ضمير من يعقل لما صدر منهن من الأحوال التي تدل على أنها من قبيل من يعقل ، فإن الله أخبر بقوله (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٣) وقوله صلىاللهعليهوسلم : «أطلت السماء وحق لها أن تئط». انتهى. وكأن ابن عطية وهذا القائل تخيلا أن هن من الضمائر التي تخص من يعقل من المؤنثات وليس كذلك بل هو لفظ مشترك بين من يعقل وما لا يعقل من المؤنث المجموع ومن ذلك قوله (فَلا تَظْلِمُوا
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٣٠.
(٣) سورة فصلت : ٤١ / ١١.