فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (١) والضمير عائد على الأربعة الحرم ، والإشارة بقوله : (ذلِكُمْ) إلى ربوبيته تعالى ووصفه بالاختراع لهذا العالم و (مِنَ) للتبعيض أي الذين يشهدون بالربوبية كثيرون ، وأنا بعض منهم أي ما قلته أمر مفروغ منه عليه شهود كثيرون فهو مقال مصحح بالشهود. و (عَلى ذلِكُمْ) متعلق بمحذوف تقديره (وَأَنَا) شاهد (عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أو على جهة البيان أي أعني (عَلى ذلِكُمْ) أو باسم الفاعل وإن كان في صلة أل لاتساعهم في الظرف والمجرور أقوال تقدمت في (إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢) وبادرهم أولا بالقول المنبه على دلالة العقل فلم ينتفعوا بالقول ، فانتقل إلى القول الدال على الفعل الذي مآله إلى الدلالة التامّة على عدم الفائدة في عبارة ما يتسلط عليه بالكسر والتقطيع وهو لا يدفع ولا يضر ولا ينفع ولا يشعر بما ورد عليه من فك أجزائه فقال : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) وقرأ الجمهور (وَتَاللهِ) بالتاء. وقرأ معاذ بن جبل وأحمد بن حنبل بالله بالباء بواحدة من أسفل. قال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين التاء والباء؟ قلت : إن الباء هي الأصل والتاء بدل من الواو المبدل منها ، وإن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب ، كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه لأن ذلك كان أمرا مقنوطا منه لصعوبته وتعذره ، ولعمري إن مثله صعب متعذر في كل زمان خصوصا في زمن نمرود مع عتوّه واستكباره وقوّة سلطانه وتهالكه على نصر دينه ولكن :
إذا الله سنى عقد شيء تيسرا
انتهى. أما قوله الباء هي الأصل إنما كانت أصلا لأنها أوسع حروف القسم إذ تدخل على الظاهر ، والمضمر ويصرح بفعل القسم معها وتحذف وأما أن التاء بدل من واو القسم الذي أبدل من باء القسم فشيء قاله كثير من النحاة ، ولا يقوم على ذلك دليل وقد رد هذا القول السهيلي والذي يقتضيه النظر أنه ليس شيء منها أصلا لآخر. وأما قوله : إن التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب فنصوص النحاة أن التاء يجوز أن يكون معها تعجب ، ويجوز أن لا يكون واللام هي التي يلزمها التعجب في القسم.
والكيد الاحتيال في وصول الضرر إلى المكيد ، والظاهر أن هذه الجملة خاطب بها أباه وقومه وأنها مندرجة تحت القول من قوله (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ). وقيل : قال ذلك سرّا من قومه وسمعه رجل واحد. وقيل : سمعه قوم من ضعفتهم ممن كان يسير في آخر الناس يوم
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٣٦.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٢١.