بإنجيلهم وبين أهل الزّبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم وقال : والله ما من آية نزلت فى برّ أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار إلّا وأنا أعلم فيمن نزلت وفى أىّ شيء نزلت لرجوع الصّحابة هى فى الأصل مصدر من صحب يصحب نقل إلى معنى الصّفة ثمّ غلب استعماله فى أصحاب رسول الله (ص) فى وقائعهم المشكلة ومسائلهم المعضلة إليه أى أمير المؤمنين (ع) بعد غلطهم فى كثير منها ولم يرجع أمير المؤمنين (ع) إلى أحد منهم فى شيء من العلوم أصلا فيكون أعلم منهم.
ولقوله : (ص) عطف على قوله لرجوع الصّحابة أقضاكم عليّ لأنّ القضاء يحتاج إلى كثير من العلوم فيكون أعلم منهم جميعا ، ولاستناد العلماء فى علومهم إليه كالأصول الكلامية والفروع الفقهيّة وعلم التّفسير والحديث وعلم التّصوّف وعلم النّحو وغيرها ، حتّى انّ ابن عباس رئيس المفسرين تلميذه ، وأبا الأسود الدؤلى دوّن النّحو بتعليمه وارشاده ، وخرقة المشايخ ينتهى إليه. وإذا ثبت انّه أعلم الصّحابة ولا شكّ انّ الأعلم أفضل والأفضل هو المتعيّن للإمامة لما عرفت ، فيكون هو الإمام لا غير.
ولأنّه أزهد من غير النّبيّ (ص) وأكثر إعراضا عن متاع الدّنيا ولذّاتها وشهواتها لما ثبت انّه كان تاركا لمنافع الدّنيا بالكليّة مع القدرة لاتّساع أبوابها خصوصا بالنّسبة إليه حتّى طلّق الدّنيا ثلاثا وقال : يا دنيا يا دنيا إليك عنّى إليّ تعرضت أم إليّ تشوّقت لا حان حينك ، هيهات هيهات غرّي غيرى لا حاجة لى فيك قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير وخطرك يسير وأملك حقير. وقال : والله لدنياكم هذه أهون فى عينى من عراق خنزير فى يد مجذوم ، وقال : إنّ دنياكم عندى لأهون من ورقة فى فم جرادة تقضمها ما لعلىّ ونعيم يفنى ولذّة لا تبقى وتخشّن فى الماكل والمجلس حتّى قال عبد الله بن رافع : دخلت عليه يوما فقدم جرابا مختوما فوجدنا فيه خبزا شعيرا يابسا مرضوضا فأكلنا منه فقلت يا امير المؤمنين لم ختمته قال : خفت هذين