غير مرجّح ضرورىّ يجزم به البله والصّبيان ، بل هو مذكور فى طبائع البهائم. وإنّما قيّدنا الموجد بالموجود إذ لو جاز كونه معدوما لم يلزم التّسلسل الّذي هو فى الامور الموجودة ، بل لم يلزم دور ولا تسلسل اصلا ، لجواز ان يكون الموجد المعدوم ممتنعا لذاته لا واجبا ولا ممكنا حتى يلزم إمّا ثبوت المطلوب وإمّا الدّور أو التسلسل فإن كان ذلك الموجد الموجود واجبا لذاته فالمطلوب ثابت أيضا وإن كان ممكنا افتقر إلى موجد موجود آخر اى مغاير للموجود الاول.
فإن كان ذلك الموجد الثانى هو الممكن الأوّل دار ، أى لزم الدّور ـ من قبيل نسبة الفعل الى المصدر ـ وهو توقّف الشّيء على ما يتوقّف عليه بمرتبة او بمراتب ، وإن كان ممكنا آخر غير الممكن الاول تسلسل ، اى لزم التّسلسل على تقدير عدم الانتهاء إلى الواجب لذاته وعدم العود اصلا ، وهو ترتّب أمور غير متناهية إمّا وضعا كما فى عدم تناهى الأبعاد ، وإمّا عقلا بطريق التّصاعد من المعلول إلى العلّة وهو التّسلسل من جانب العلّة كما فيما نحن فيه ، او بطريق التّنازل من العلّة إلى المعلول وهو التّسلسل من جانب المعلول ، هذا على رأى الحكماء ، وأمّا على رأى المتكلمين فهو وجود امور غير متناهية سواء كانت مترتّبة أولا على ما سيجيء تحقيقه. وكان عليه ان يقول بعد الترديد الثّاني فإمّا أن ينتهى الى الواجب لذاته او يعود فى مرتبة من المراتب الى ما سبق او يذهب الى غير النهاية ، فان كان الاول فالمطلوب ، وان كان الثّاني دار ، وان كان الثّالث تسلسل.
وهاهنا بحث من وجوه :
الأوّل ، انّ الممكن عند التحقيق ما لا يكون ذاته مقتضيا للوجود ولا العدم اقتضاء تامّا ضروريّا ، وحينئذ يجوز ان يكون ذاته مقتضيا لاحدهما بشرط عدمىّ ، فلا يقتضى موجدا مغايرا حتى يلزم الدّور أو التّسلسل او الانتهاء إلى الواجب لذاته.
الثّاني ، انّ الممكن يجوز أن يكون أحد الطّرفين راجحا لذاته رجحانا غير واصل الى حدّ الوجوب ، ويقع ذلك الطّرف الرّاجح بهذا الرّجحان الذاتى من غير حاجة الى مرجّح مغاير ، لانه لا يلزم من ترجّح أحد المتساويين من غير مرجّح بل يترجّح ، الرّاجح