أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري ، نا أبي الأستاذ أبو القاسم إملاء ، أنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ ، حدّثني أبو بكر محمّد بن عبد الله بن يوسف العماني ، نا أبو سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي ، نا ضرار بن صرد ، نا عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، وهو الثّمالي (١) ، عن عبد الرّحمن بن جندب ، عن كميل بن زياد النخعي قال : قال علي بن أبي طالب :
يا سبحان الله ، ما أزهد كثيرا من الناس في خير ، عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في الحاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا ، فلو كان لا يرجو حسابا ، ولا يخشى عذابا ، لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق ، فإنّها تدل على سبيل النجاح ، فقام إليه رجل ، فقال : فداك أبي وأمي ، يا أمير المؤمنين ، أسمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : نعم ، وما هو خير منه ، لما أتي بسبايا طيء ، وقفت جارية جمّاء ، حواء (٢) لعساء ، لفّاء ، عيطاء ، شماء الأنف ، معتدلة القامة والهامة ، درماء الكعبين ، جدلة الساقين ، لفّاء الفخذين (٣) ، خميصة الخصرين ، ضامرة الكشحين ، مصقولة المتنين ، قال : فلما رأيتها أعجبت بها وقلت : لأطلبن إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليجعلها في فيئي ، فلمّا تكلمت أنسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها فقالت : يا محمّد إن رأيت أن تخلي عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإني ابنة سيد قومي ، فإن أبي كان يحمي الذمار ، ويفك (٤) العاني ، ويشبع الجائع ، ويكسو العاري ، ويقري الضيف ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ولم يرد طالب حاجة قط ، أنا ابنة حاتم طيء ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يا جارية ، هذه صفة المؤمن ، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه ، خلّوا عنها ، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق» ، فقام أبو بردة بن نيار فقال : يا رسول الله ، الله يحب مكارم الأخلاق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة أحد إلّا يحسن الخلق» [١٣٧٥١].
قال الأستاذ : قوله جماء : أي كثيرة شعر الرأس ، وقوله : لعساء : إذا كان في لونها أدنى سواد مشرب حمرة ، ويقال لعساء الشفة أي حمراؤها حمرة تضرب إلى السواد ، وقوله لفاء : أي كثيرة شعر الرأس ، وشجرة لفاء ملتفة الأغصان ، وقوله عيطاء : أي طويلة العنق في
__________________
(١) اسمه ثابت بن أبي صفية دينار ، أبو حمزة الثمالي ، راجع ترجمته في تهذيب الكمال ٣ / ٢٣٣.
(٢) بالأصل و «ز» هنا : «حمراء».
(٣) بالأصل : «العجزين» والمثبت عن «ز».
(٤) بالأصل : ويقيل ، والمثبت عن «ز».