أفحمتنا وكلّ واحد من الباقين يتوقع ما يخجله ، ثم خرجت فقالت أيكم الذي يقول :
ألا حبّذا البيت الذي أنا هاجره |
|
فلا أنا ناسيه ولا أنا ذاكره |
فبورك من بيت وطال نعيمه |
|
ولا زال مغشيّا وخلد عامره |
هو البيت بيت الطول والفضل دائما |
|
فأسعد ربي جد من هو خادره |
به كلّ موشيّ الذراعين يرتعي |
|
أصول الخزامى ما ينفر (١) طائره |
هما دلتاني من ثمانين قامة |
|
كما انقض باز أقتم الريش كاسره |
فلمّا استوت رجلاي بالأرض قالتا |
|
أحيّ يرجى أم قتيل نحاذره |
فأصبحت في أهلي (٢) وأصبح قصرها |
|
مغلّقة أبوابه ودساكره |
فقال أبي يعني الفرزدق : أنا قلته ، قالت : ما وفقت ولا أصبت ، أما أيست (٣) بتعريضك من عودة عندك محمودة؟ خذ هذه الستمائة فاستعن بها ، ثم انصرفت إلى مولاتها ، ثم عادت فقالت : أيكم الذي يقول :
فلو لا أن يقال صبا نصيب |
|
لقلت : بنفسي النشأ الصغار |
بنفسي كلّ مهضوم حشاها |
|
إذا ظلمت فليس لها انتصار |
فقال نصيب : أنا قلته ، فقالت : أغزلت وأحسنت وكرمت إلّا أنك صبوت إلى الصغار وتركت الناهضات بأحمالها. خذ هذه السبع مائة درهم فاستعن بها ، ثم انصرفت إلى مولاتها ثم عادت فقالت : أيكم الذي يقول :
وأعجبني يا عزّ منك خلائق |
|
كرام إذا عدّ الخلائق أربع |
دنوّك حتى يذكر الجاهل الصبي |
|
ومدّك أسباب الهوى حين يطمع |
وأنك لا تدري غريم مطلته |
|
أيشتد إن لاقاك أم يتضرّع؟ |
وأنك إن واصلت أعلمت بالذي |
|
لديك فلم يوجد لك الدهر مطمع |
قال كثيّر : أنا قلته ، قال : أغزلت وأحسنت ، خذ هذه الثمان مائة درهم فاستعن بها ، ثم انصرفت إلى مولاتها وخرجت فقالت : أيكم الذي يقول :
لكلّ حديث بينهن بشاشة |
|
وكلّ قتيل بينهن شهيد |
__________________
(١) بالأصل : ينفس ، والمثبت عن «ز».
(٢) في مصارع العشاق : أهل.
(٣) بالأصل و «ز» : «أنست» والمثبت عن مصارع العشاق.