قال : دخلت مكة بعد ما قتل ابن الزّبير بثلاثة أيام ـ وهو حينئذ مصلوب ـ قال : فجاءت أمه عجوز طويلة مكفوفة البصر ، فقالت للحجاج : أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال الحجّاج : المنافق؟ فقالت : والله ما كان منافقا إن كان لصوّاما قوّاما برّا ، فقال : انصرفي يا عجوز ، فإنك قد خرفت ، قالت : لا والله ما خرفت منذ سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «يخرج من ثقيف كذاب ومبير» فأما الكذاب فقد رأيناه وأما المبير فأنت [١٣٦٩٨].
أخبرنا أبو الفضل محمّد بن إسماعيل الفضيلي ، أنا أحمد بن محمّد بن محمّد ببلخ ، أنا علي بن أحمد بن محمّد ، أنا الهيثم بن كليب ، نا أبو يحيى عيسى بن أحمد العسقلاني ، أنا يزيد ، أنا الأسود بن شيبان ، عن أبي نوفل العريجي (١) :
أن الحجاج لما قتل ابن الزّبير ، صلبه على عقبة المدينة ، فمرّ به ابن عمر ، فوقف عليه ، فقال له : السّلام عليك ، أبا خبيب ، ثم قال : أما والله لقد نهيتك عن هذا ثلاثا ، أما والله ما علمت ان كنت لصواما قواما وصولا للرحم ، وأنّ أمه تكون أنت أشرهم لأمة صدق ، فلمّا بلغ ذلك الحجاج أمر به فطرح في مقابر اليهود ، ثم أرسل إلى أمه أن تأتيه [فأبت أن تأتيه](٢) فأرسل إليها لتأتين أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك حتى يأتيني بك ، فأرسلت إليه : والله لا آتيك حتى تبعث إليّ من يسحبني بقروني ، فلمّا رأى ذلك لبس سبتية (٣) ثم خرج يتوذف (٤) إليها حتى دخل عليها ، فقال : كيف رأيتني صنعت بعبد الله؟ قالت : رأيتك أفسدت عليه دنياه ، وأفسد عليك آخرتك ، وقد بلغني أنك كنت تعيّره بأني ذات النطاقين ، وقد والله كنت ذات نطاقين ، أما أحدهما فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه ، وأما الآخر فإنّي كنت أرفع فيه طعام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وطعام أبي ، فأي ذلك ويل أمك عيّرته به؟ أما إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يحدّثنا أنه سيخرج من ثقيف رجلان ، كذاب ومبير ، فأمّا الكذاب فابن أبي عبيد (٥) ، وأما المبير فأنت ، قال : فانصرف عنها ولم يراجعها.
__________________
(١) ضبطت بضم العين وفتح الراء وسكون الياء ، عن الأنساب وهذه النسبة إلى عريج بن بكر بن عبد مناة. وهو أبو نوفل بن أبي عقرب البكري الكناني العريجي ، ترجمته في تهذيب الكمال ٢٢ / ٨٤.
(٢) الزيادة عن المطبوعة.
(٣) النعال السبتية هي التي تحذى من جلود البقر المدبوغة بالقرظ ، وهي السبت ، وقيل السبت : كل جلد مدبوغ (تاج العروس).
(٤) مرّ يوذف توذيفا ، ويتوذف إذا كان يقارب الخطو ، ويحرك منكبيه متبخترا (تاج العروس : وذف).
(٥) يعني المختار بن أبي عبيد الثقفي.