نصب الحرية
في بغداد عاصمة العراق ، وفي ساحة التحرير ، وهي أكبر ساحة في بغداد ، وأهمّ الساحات فيها ، بني في جانب من جوانبها نصب يحكي حالة الشعب قبل ثورة عام ( ١٩٥٨ م ) وما بعدها ، تمّت على يد نحّات العراق الأول خالد الرحّال ، وصُبّ عناصر هذا النصب في إيطاليا ، وثبّت على واجهة كبيرة ، وهو غاية في الصنعة والفن ، وفي منتهىٰ الدقة والإحكام ، اتّخذته الطيور البرّية وكراً لها ، وهو موضع فخر المسؤولين ، والساحة كانت ملتقى السُوَقة والحشّاشة والسُرّاق ، ومن يحتسون المنكرات ويؤتون الفواحش ، ويلعبون القمار ، يجد المواطن بين حين وآخر مواكب الملوك والرؤساء تقف عند هذا النصب ، وبإعجاب يستمعون لمن يفسّر فصول الحرية الصمّاء العمياء ، وعدسات الصحف والتلفاز تشعّ عليه وعلى الزوّار والسوّاح ! هذا جائز ولا إشكال فيه ! لا بل يعتبر موضع فخر واعتزاز واهتمام ، ورعاية من قبل الحكومة ، بالصرف عليه والمحافظة والتجديد.
ولكنّ التراث الإسلامي الذي امتدّ لقرونٍ طويلة على قبور الصلحاء والأولياء ، يجب أن يضرب بالصواريخ ، وقذائف المدافع الثقيلة ، وأكبر مقبرة إسلامية في العالم تُجرف قبورها بالمكائن الثقيلة ، ليفتح فيها الشوارع العريضة ، شوارع ليس مثلها في اُمهات المدن العراقية ، والحال هناك مقابر في بغداد ، وفي أرقى مناطقها في الأعظمية وعلى مرأى من الناس قبورها تعلو عن الأرض أمتاراً ، وعليها سقوف وأبنية شامخة ، وهكذا في الشالجية ، والنهضة ، ومحلّة باب الشيخ ، لا يمسّها الطير... !!