[الفتح : ١٥] أي يخالفوه وينقضوا ما اقتضاه ، وهو قوله : (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) [الفتح : ١٥]. وذلك أنّ النقض يستلزم الإتيان بشيء ضدّ الشّيء المنقوض. فكان ذلك اللّزوم هو علاقة المجاز. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) في سورة البقرة [١٨١]. وقد استعمل في قوله : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) مجازا في معنى المعارضة أو النقض على الاحتمالين في معنى التّمام من قوله : وتمت كلمات ربك ونفي المبدّل كناية عن نفي التبديل.
فإن كان المراد بالكلمات القرآن ، كما تقدّم ، فمعنى انتفاء المبدّل لكلماته : انتفاء الإتيان بما ينقضه ويبطله أو يعارضه ، بأن يظهر أنّ فيه ما ليس بتمام. فإن جاء أحد بما ينقضه كذبا وزورا فليس ذلك بنقض. وإنّما هو مكابرة في صورة النقض ، بالنّسبة إلى ألفاظ القرآن ونظمه ، وانتفاء ما يبطل معانيه وحقائق حكمته ، وانتفاء تغيير ما شرعه وحكم به. وهذا الانتفاء الأخير كناية عن النّهي عن أن يخالفه المسلمون. وبذلك يكون التّبديل مستعملا في حقيقته ومجازه وكنايته.
ويجوز أن تكون جملة : وتمت كلمات ربك عطفا على جملة : جعلنا لكل نبيء عدوا [الأنعام : ١١٢] وما بينهما اعتراضا ، فالكلمات مراد بها ما سنّه الله وقدّره : من جعل أعداء لكلّ نبي يزخرفون القول في التّضليل ، لتصغى إليهم قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ، ويتّبعوهم ، ويقترفوا السيئات ، وأنّ المراد بالتّمام التّحقّق ، ويكون قوله : (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) نفي أن يقدر أحد أن يغيّر سنّة الله وما قضاه وقدّره ، كقوله : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) [فاطر : ٤٣] فتكون هذه الآية في معنى قوله : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) [الأنعام : ٣٤]. ففيها تأنيس للرسول صلىاللهعليهوسلم وتطمين له وللمؤمنين بحلول النّصر الموعود به في إبّانه.
وقوله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) تذييل لجملة : وتمت كلمات ربك (صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي : وهو المطّلع على الأقوال ، العليم بما في الضّمائر ، وهذا تعريض بالوعيد لمن يسعى لتبديل كلماته ، فالسّميع العالم بأصوات المخلوقات ، الّتي منها ما توحي به شياطين الإنس والجنّ ، بعضهم إلى بعض ، فلا يفوته منها شيء ؛ والعالم أيضا بمن يريد أن يبدّل كلمات الله ، على المعاني المتقدّمة ، فلا يخفى عليه ما يخوضون فيه : من تبييت الكيد والإبطال له.