وقوله : (سَفَهاً) منصوب على المفعول المطلق المبين لنوع القتل : أنّه قتل سفه لا رأي لصاحبه ، بخلاف قتل العدوّ وقتل القاتل ، ويجوز أن ينتصب على الحال من (الَّذِينَ قَتَلُوا) ، وصفوا بالمصدر لأنّهم سفهاء بالغون أقصى السفه.
والباء في قوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) للملابسة ، وهي في موضع الحال إمّا من (سَفَهاً) فتكون حالا مؤكّدة ، إذ السفه لا يكون إلّا بغير علم ، وإمّا من فاعل (قَتَلُوا) ، فإنّهم لمّا فعلوا القتل كانوا جاهلين بسفاهتهم وبشناعة فعلهم وبعاقبة ما قدّروا حصوله لهم من الضرّ ، إذ قد يحصل خلاف ما قدّروه ولو كانوا يزنون المصالح والمفاسد لما أقدموا على فعلتهم الفظيعة.
والمقصود من الإخبار عن كونه بغير علم ، بعد الإخبار عنه بأنّه سفه. التّنبيه على أنّهم فعلوا ذلك ظنّا منهم أنّهم أصابوا فيما فعلوا ، وأنّهم علموا كيف يرأبون ما في العالم من المفاسد ، وينظمون حياتهم أحسن نظام ، وهم في ذلك مغرورون بأنفسهم ، وجاهلون بأنّهم يجهلون (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف : ١٠٤]. وتقدّم الكلام على الوأد آنفا ، ويأتي في سورة الإسراء عند قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١].
وقرأ الجمهور : (قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ) ـ بتخفيف التّاء ـ وقرأه ابن عامر ـ بتشديد التّاء ـ لأنّه قتل بشدّة ، وليست قراءة الجمهور مفيتة هذا المعنى ، لأنّ تسليط فعل القتل على الأولاد يفيد أنّه قتل فظيع.
وقوله : (وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ) نعى عليهم خسرانهم في أن حرّموا على أنفسهم بعض ما رزقهم الله ، فحرموا الانتفاع به ، وحرموا النّاس الانتفاع به ، وهذا شامل لجميع المشركين ، بخلاف الّذين قتلوا أولادهم. والموصول الّذي يراد به الجماعة يصحّ في العطف على صلته أن تكون الجمل المتعاطفة مع الصّلة موزّعة على طوائف تلك الجماعة كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١].
وانتصب (افْتِراءً) على المفعول المطلق ل (حَرَّمُوا) : لبيان نوع التّحريم بأنّهم نسبوه لله كذبا.
وجملة (قَدْ ضَلُّوا) استئناف ابتدائي لزيادة النّداء على تحقّق ضلالهم.