وإخراجه إظهاره ، وهو يعم إشراق الكواكب وإنزال الأمطار وإنبات النبات بل الإنشاء فإنه إخراج ما في الشيء بالقوة إلى الفعل والإبداع ، فإنه إخراج ما في الإمكان والعدم إلى الوجوب والوجود ومعلوم أنه يختص بالواجب لذاته. وقرأ حفص والكسائي (ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ) بالتاء.
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) الّذي هو أول الأجرام وأعظمها والمحيط بجملتها فبين العظيمين بون.
(قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ)(٢٨)
(قالَ سَنَنْظُرُ) سنعرف من النظر بمعنى التأمل. (أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أي أم كذبت والتغيير للمبالغة ومحافظة الفواصل.
(اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) ثم تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه. (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ) ماذا يرجع بعضهم إلى بعض من القول.
(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)(٣١)
(قالَتْ) أي بعد ما ألقى إليها. (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) لكرم مضمونه أو مرسله ، أو لأنه كان مختوما أو لغرابة شأنه إذ كانت مستلقية في بيت مغلقة الأبواب فدخل الهدهد من كوة وألقاه على نحرها بحيث لم تشعر به.
(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ) استئناف كأنه قيل لها ممن هو وما هو فقالت إنه ، أي إن الكتاب أو العنوان من سليمان (وَإِنَّهُ) أي وإن المكتوب أو المضمون. وقرئ بالفتح على الإبدال من (كِتابٌ) أو التعليل لكرمه. (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).
(أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) أن مفسرة أو مصدرية فتكون بصلتها خبر محذوف أي هو أو المقصود أن لا تعلوا أو بدل من (كِتابٌ). (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) مؤمنين أو منقادين ، وهذا كلام في غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود ، لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الصانع تعالى وصفاته صريحا أو التزاما ، والنهي عن الترفع الّذي هو أم الرذائل والأمر بالإسلام الجامع لأمهات الفضائل ، وليس الأمر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد فإن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الدلالة.
(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ)(٣٣)
(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أجيبوني في أمري الفتي واذكروا ما تستصوبون فيه. (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) ما أبت أمرا. (حَتَّى تَشْهَدُونِ) إلا بمحضركم استعطفتهم بذلك ليمالئوها على الإجابة.
(قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) بالأجساد والعدد. (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) نجدة وشجاعة. (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) موكول. (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) من المقاتلة أو الصلح نطعك ونتبع رأيك.
(قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي