هارب ولا يدركها طالب. وروي أنه عليه الصلاة والسلام سئل من أين مخرجها فقال : من أعظم المساجد حرمة على الله ، يعني المسجد الحرام. (تُكَلِّمُهُمْ) من الكلام ، وقيل من الكلم إذ قرئ «تكلمهم». وروي أنها تخرج ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما الصلاة والسلام ، فتنكت بالعصا في مسجد المؤمن نكتة بيضاء فيبيض وجهه ، وبالخاتم في أنف الكافر نكتة سوداء فيسود وجهه. (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا) خروجها وسائر أحوالها فإنها من آيات الله تعالى ، وقيل القرآن ، وقرأ الكوفيون أن الناس بالفتح. (لا يُوقِنُونَ) لا يتيقنون ، وهو حكاية معنى قولها أو حكايتها لقول الله عزوجل أو علة خروجها ، أو تكلمها على حذف الجار.
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ)(٨٥)
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) يعني يوم القيامة. (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) بيان للفوج أي فوجا مكذبين ، و (مِنْ) الأولى للتبعيض لأن أمة كل نبي وأهل كل قرن شامل للمصدقين والمكذبين. (فَهُمْ يُوزَعُونَ) يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ، وهو عبارة عن كثرة عددهم وتباعد أطرافهم.
(حَتَّى إِذا جاؤُ) إلى المحشر. (قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) الواو للحال أي أكذبتم بها بادئ الرأي غير ناظرين فيها نظرا يحيط علمكم بكنهها وأنها حقيقة بالتصديق أو التكذيب ، أو للعطف أي أجمعتم بين التكذيب بها وعدم إلقاء الأذهان لتحققها. (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أم أي شيء كنتم تعملونه بعد ذلك ، وهو للتبكيت إذ لم يفعلوا غير التكذيب من الجهل فلا يقدرون أن يقولوا فعلنا غير ذلك.
(وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) حل بهم العذاب الموعود وهو كبهم في النار بعد ذلك. (بِما ظَلَمُوا) بسبب ظلمهم وهو التكذيب بآيات الله. (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) باعتذار لشغلهم بالعذاب.
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٨٦)
(أَلَمْ يَرَوْا) ليتحقق لهم التوحيد ويرشدهم إلى تجويز الحشر وبعثة الرسل ، لأن تعاقب النور والظلمة على وجه مخصوص غير متعين بذاته لا يكون إلا بقدرة قاهر ، وأن من قدر على إبدال الظلمة بالنور في مادة واحدة قدر على إبدال الموت بالحياة في مواد الأبدان ، وأن من جعل النهار ليبصروا فيه سببا من أسباب معاشهم لعله لا يخل بما هو مناط جميع مصالحهم في معاشهم ومعادهم. (أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) بالنوم والقرار. (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) فإن أصله ليبصروا فيه فبولغ فيه بجعل الإبصار حالا من أحواله المجعول عليها بحيث لا ينفك عنها. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لدلالتها على الأمور الثلاثة.
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ)(٨٧)
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) في الصور أو القرن ، وقيل إنه تمثيل لانبعاث الموتى بانبعاث الجيش إذا نفخ في البوق. (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من الهول وعبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه. (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أن لا يفزع بأن يثبت قلبه. قيل هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، وقيل الحور والخزنة وحملة العرش ، وقيل الشهداء ، وقيل موسى عليه الصلاة والسلام لأنه صعق مرة ولعل المراد ما يعم ذلك. (وَكُلٌّ أَتَوْهُ) حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية ، أو راجعون إلى أمره وقرأ حمزة وحفص (أَتَوْهُ) على