(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) علة ل (يَمْهَدُونَ) أو ل (يَصَّدَّعُونَ) ، والاقتصار على جزاء المؤمنين للإشعار بأنه المقصود بالذات والاكتفاء على فحوى قوله : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) فإن فيه إثبات البغض لهم والمحبة للمؤمنين ، وتأكيد اختصاص الصلاح المفهوم من ترك ضميرهم إلى التصريح بهم تعليل له ومن فضله دال على أن الإثابة تفضل محض ، وتأويله بالعطاء أو الزيادة على الثواب عدول عن الظاهر.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٤٦)
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ) الشمال والصبا والجنوب فإنها رياح الرحمة وأما الدبور فريح العذاب ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح على إرادة الجنس. (مُبَشِّراتٍ) بالمطر. (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) يعني المنافع التابعة لها ، وقيل الخصب التابع لنزول المطر المسبب عنها أو الروح الّذي هو مع هبوبها والعطف على علة محذوفة دل عليها (مُبَشِّراتٍ) أو عليها باعتبار المعنى ، أو على (يُرْسِلَ) بإضمار فعل معلل دل عليه. (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعني تجارة البحر. (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولتشكروا نعمة الله تعالى فيها.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٤٧)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) بالتدمير. (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) إشعار بأن الانتقام لهم وإظهار لكرامتهم حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم ، وعنه عليه الصلاة والسلام «ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله أن يرد عنه نار جهنم ثم تلا ذلك». وقد يوقف على (حَقًّا) على أنه متعلق بالانتقام.
(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)(٤٩)
(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ) متصلا تارة. (فِي السَّماءِ) في سمتها. (كَيْفَ يَشاءُ) سائرا أو واقفا مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك. (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) قطعا تارة أخرى ، وقرأ ابن عامر بالسكون على أنه مخفف أو جمع كسفة أو مصدر وصف به. (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر. (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) في التارتين. (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يعني بلادهم وأراضيهم. (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) لمجيء الخصب.
(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) المطر. (مِنْ قَبْلِهِ) تكرير للتأكيد والدلالة على تطاول عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم ، وقيل الضمير للمطر أو السحاب أو الإرسال. (لَمُبْلِسِينَ) لآيسين.
(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٥٠)