(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) أثر الغيث من النبات والأشجار وأنواع الثمار ولذلك جمعه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص. (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وقرئ بالتاء على إسناده إلى ضمير الرحمة. (إِنَّ ذلِكَ) يعني إن الّذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها. (لَمُحْيِ الْمَوْتى) لقادر على إحيائهم فإنه إحداث لمثل ما كان في مواد أبدانهم من القوى الحيوانية ، كما أن إحياء الأرض إحداث لمثل ما كان فيها من القوى النباتية ، هذا ومن المحتمل أن يكون من الكائنات الراهنة ما يكون من مواد تفتتت وتبددت من جنسها في بعض الأعوام السالفة. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لأن نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على سواء.
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ)(٥١)
(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) فرأوا الأثر أو الزرع فإنه مدلول عليه بما تقدم ، وقيل السحاب لأنه إذا كان (مُصْفَرًّا) لم يمطر واللام موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط وقوله : (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ) جواب سد مسد الجزاء ولذلك فسر بالاستقبال. وهذه الآية ناعية على الكفار بقلة تثبتهم وعدم تدبرهم وسرعة تزلزلهم لعدم تفكرهم وسوء رأيهم ، فإن النظر السوي يقتضي أن يتوكلوا على الله ويلتجئوا إليه بالاستغفار إذا احتبس القطر عنهم ولا ييأسوا من رحمته ، وأن يبادروا إلى الشكر والاستدامة بالطاعة إذا أصابهم برحمته ولم يفرطوا في الاستبشار وأن يصبروا على بلائه إذا ضرب زروعهم بالاصفرار ولا يكفروا نعمه.
(فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ)(٥٣)
(فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم. (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) قيد الحكم به ليكون أشد استحالة ، فإن الأصم المقبل وإن لم يسمع الكلام يفطن منه بواسطة الحركات شيئا ، وقرأ ابن كثير بالياء مفتوحة ورفع (الصُّمَ).
(وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) سماهم عميا لفقدهم المقصود الحقيقي من الأبصار أو لعمي قلوبهم ، وقرأ حمزة وحده «تهدي العمي». (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) فإن إيمانهم يدعوهم إلى تلقي اللفظ وتدبر المعنى ، ويجوز أن يراد بالمؤمن المشارف للإيمان. (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) لما تأمرهم به.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)(٥٤)
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) أي ابتدأكم ضعفاء وجعل الضعف أساس أمركم كقوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) أو خلقكم من أصل ضعيف وهو النطفة. (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) وذلك إذا بلغتم الحلم أو تعلق بأبدانكم الروح. (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) إذا أخذ منكم السن ، وفتح عاصم وحمزة الضاد في جميعها والضم أقوى لقول ابن عمر رضي الله عنهما : قرأتها على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «من ضعف فأقرأني من ضعف». وهما لغتان كالفقر والفقر والتنكير مع التكرير لأن المتأخر ليس عين المتقدم. (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) من ضعف وقوة وشبية وشيبة. (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) فإن الترديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره دليل العلم والقدرة.
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ)(٥٥)
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا ، أو لأنها تقع بغتة