ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(٢٦)
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات الشاهدة على نبوتهم. (وَبِالزُّبُرِ) كصحف إبراهيم عليهالسلام. (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) كالتوراة والإنجيل على إرادة التفصيل دون الجمع ، ويجوز أن يراد بهما واحد والعطف لتغاير الوصفين.
(ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) أي إنكاري بالعقوبة.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)(٢٨)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) أجناسها وأصنافها على أن كلّا منها ذو أصناف مختلفة ، أو هيئاتها من الصفرة والخضرة ونحوهما. (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) أي ذو جدد أي خطط وطرائق يقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره ، وقرئ «جدد» بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة و (جُدَدٌ) بفتحتين وهو الطريق الواضح. (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) بالشدة والضعف. (وَغَرابِيبُ سُودٌ) عطف على (بِيضٌ) أو على (جُدَدٌ) كأنه قيل : ومن الجبال ذو جدد مختلفة اللون ومنها (غَرابِيبُ) متحدة اللون ، وهو تأكيد مضمر يفسره ما بعده فإن الغربيب تأكيد للأسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد ونظير ذلك في الصفة قول النابغة :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها
وفي مثله مزيد تأكيد لما فيه من التكرير باعتبار الإضمار والإظهار.
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) كاختلاف الثمار والجبال. (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وأفعاله ، فمن كان أعلم به كان أخشى منه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «إني أخشاكم لله وأتقاكم له» ولذلك أتبعه بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته ، وتقديم المفعول لأن المقصود حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر. وقرئ برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيبا. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه.
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ(٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)(٣٠)
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) يداومون على قراءته أو متابعة ما فيه حتى صارت سمة لهم وعنوانا ، والمراد بكتاب الله القرآن أو جنس كتب الله فيكون ثناء على المصدقين من الأمم بعد اقتصاص حال المكذبين. (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) كيف اتفق من غير قصد إليهما. وقيل السر في المسنونة والعلانية في المفروضة. (يَرْجُونَ تِجارَةً) تحصيل ثواب بالطاعة وهو خبر إن. (لَنْ تَبُورَ) لن تكسد ولن تهلك بالخسران صفة للتجارة وقوله :
(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) علة لمدلوله أي ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها أجور أعمالهم ، أو لمدلول ما عد من امتثالهم نحو فعلوا ذلك (لِيُوَفِّيَهُمْ) أو عاقبة ل (يَرْجُونَ). (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) على ما