(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)(١٨)
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ، وأما قوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم ، وكل ذلك أوزارهم ليس فيها شيء من أوزار غيرهم. (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) نفس أثقلها الأوزار. (إِلى حِمْلِها) تحمل بعض أوزارها. (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) لم تجب لحمل شيء منه نفى أن يحمل عنها ذنبها كما نفى أن يحمل عليها ذنب غيرها. (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ولو كان المدعو ذا قرابتها ، فأضمر المدعو لدلالة إن تدع عليه. وقرئ «ذو قربى» على حذف الخبر وهو أولى من جعل كان التامة فإنها لا تلائم نظم الكلام. (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) غائبين عن عذابه ، أو عن الناس في خلواتهم ، أو غائبا عنهم عذابه. (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) فإنهم المنتفعون بالإنذار لا غير ، واختلاف الفعلين لما مر من الاستمرار. (وَمَنْ تَزَكَّى) ومن تطهر من دنس المعاصي. (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) إذ نفعه لها ، وقرئ «ومن أزكى فإنما يزكي» وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنهما من جملة التزكي. (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فيجازيهم على تزكيهم.
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ)(٢٣)
(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) الكافر والمؤمن ، وقيل هما مثلان للصنم ولله عزوجل.
(وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) ولا الباطل ولا الحق.
(وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) ولا الثواب ولا العقاب ، ولا لتأكيد نفي الاستواء وتكريرها على الشقين لمزيد التأكيد. و (الْحَرُورُ) فعول من الحر غلب على السموم. وقيل السموم ما يهب نهارا والحرور ما تهب ليلا.
(وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل. وقيل للعلماء والجهلاء. (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) هدايته فيوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته. (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات ومبالغة في إقناطه عنهم.
(إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) فما عليك إلا الإنذار وأما الإسماع فلا إليك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم.
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ)(٢٤)
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) محقين أو محقا ، أو إرسالا مصحوبا بالحق ، ويجوز أن يكون صلة لقوله : (شِيراً وَنَذِيراً) أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق. (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) أهل عصر. (إِلَّا خَلا) مضى. (فِيها نَذِيرٌ) من نبي أو عالم ينذر عنه ، والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قرينة البشارة سيما وقد قرن به من قبل ، أو لأن الإنذار هو الأهم المقصود من البعثة.
(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ(٢٥)