(إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى)(١١٩)
(إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى).
(وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) فإنه بيان وتذكير لما له في الجنة من أسباب الكفاية وأقطاب الكفاف الّتي هي الشبع والري والكسوة والسكن مستغنيا عن اكتسابها والسعي في تحصيل أغراض ما عسى ينقطع ويزول منها بذكر نقائضها ، ليطرق سمعه بأصناف الشقوة المحذر عنها ، والعاطف وإن ناب عن أن لكنه ناب من حيث إنه عامل لا من حيث إنه حرف تحقيق فلا يمتنع دخوله على أن امتناع دخول إن عليه. وقرأ نافع وأبو بكر (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا) بكسر الهمزة والباقون بفتحها.
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى)(١٢٢)
(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) فانتهى إليه وسوسته. (قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) الشجرة الّتي من أكل منها خلد ولم يمت أصلا. فأضافها إلى الخلد أي الخلود لأنها سببه بزعمه. (وَمُلْكٍ لا يَبْلى) لا يزول ولا يضعف.
(فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أخذا يلزقان الورق على سوآتهما للتستر وهو ورق التين (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) بأكل الشجرة. (فَغَوى) فضل عن المطلوب وخاب حيث طلب الخلد بأكل الشجرة ، أو عن المأمور به أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو. وقرئ «فغوى» من غوى الفصيل إذا أتخم من اللبن وفي النعي عليه بالعصيان والغواية مع صغر زلته تعظيم للزلة وزجر بليغ لأولاده عنها.
(ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) اصطفاه وقربه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من أجبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها ، وأصل معنى الكلمة الجمع. (فَتابَ عَلَيْهِ) فقبل توبته لما تاب. (وَهَدى) إلى الثبات على التوبة والتشبث بأسباب العصمة.
(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)(١٢٤)
(قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) الخطاب لآدم وحواء ، أوله ولإبليس ولما كانا أصليّ الذرية خاطبهما مخاطبتهم فقال : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) لأمر المعاش كما عليه الناس من التجاذب والتحارب ، أو لاختلال حال كل من النوعين بواسطة الآخر ويؤيد الأول قوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) كتاب ورسول. (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُ) في الدنيا. (وَلا يَشْقى) في الآخرة.
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) عن الهدى الذاكر لي والداعي إلى عبادتي. (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) ضيقا مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وقرئ «ضنكى» كسكرى ، وذلك لأن مجامع همته ومطامح نظره تكون إلى أعراض الدنيا متهالكا على ازديادها خائفا على انتقاصها ، بخلاف المؤمن الطالب للآخرة مع أنه تعالى قد يضيق بشؤم الكفر ويوسع ببركة الإيمان كما قال (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا) الآيات ، وقيل هو الضريع والزقوم في النار ، وقيل عذاب القبر (وَنَحْشُرُهُ) قرئ بسكون الهاء على لفظ الوقف وبالجزم عطفا على محل (فَإِنَّ لَهُ