مَعِيشَةً ضَنْكاً) لأنه جواب الشرط. (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) أعمى البصر أو القلب ويؤيد الأول.
(قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى)(١٢٧)
(قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) وقد أمالهما حمزة والكسائي لأن الألف منقلبة من الياء ، وفرق أبو عمرو بأن الأول رأس الآية ومحل الوقف فهو جدير بالتغيير.
(قالَ كَذلِكَ) أي مثل ذلك فعلت ثم فسره فقال : (أَتَتْكَ آياتُنا) واضحة نيرة. (فَنَسِيتَها) فعميت عنها وتركتها غير منظور إليها. (وَكَذلِكَ) ومثل تركك إياها. (الْيَوْمَ تُنْسى) تترك في العمى والعذاب.
(وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) بالانهماك في الشهوات والإعراض عن الآيات. (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) بل كذب بها وخالفها. (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ) وهو الحشر على العمى ، وقيل عذاب النار أي وللنار بعد ذلك (أَشَدُّ وَأَبْقى) من ضنك العيش أو منه ومن العمى ، ولعله إذا دخل النار زال عماه ليرى محله وحاله أو مما فعله من ترك الآيات والكفر بها.
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى(١٢٨) وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى)(١٢٩)
(أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) مسند إلى الله تعالى أو الرسول أو ما دل عليه. (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) أي إهلاكنا إياهم أو الجملة بمضمونها ، والفعل على الأولين معلق يجري مجرى أعلم ويدل عليه القراءة بالنون. (يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) ويشاهدون آثار هلاكهم. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي.
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) وهي العدة بتأخير عذاب هذه الأمة إلى الآخرة. (لَكانَ لِزاماً) لكان مثل ما نزل بعاد وثمود لازما لهؤلاء الكفرة ، وهو مصدر وصف به أو اسم آلة سمي به اللازم لفرط لزومه كقولهم لزاز خصم. (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) عطف على كلمة أي ولو لا العدة بتأخير العذاب وأجل مسمى لأعمارهم ، أو لعذابهم وهو يوم القيامة أو يوم بدر لكان العذاب لزاما والفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب ، ويجوز عطفه على المستكن في كان أي لكان الأخذ العاجل وأجل مسمى لازمين له.
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) (١٣٠)
(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) وصل وأنت حامد لربك على هدايته وتوفيقه ، أو نزهه عن الشرك وسائر ما يضيفون إليه من النقائص حامدا له على ما ميزك بالهدى معترفا بأنه المولى للنعم كلها. (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) يعني الفجر. (وَقَبْلَ غُرُوبِها) يعني الظهر والعصر لأنهما في آخر النهار أو العصر وحده. (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) ومن ساعاته جمع أنا بالكسر والقصر ، أو أناء بالفتح والمد. (فَسَبِّحْ) يعني المغرب والعشاء وإنما قدم زمان الليل لاختصاصه بمزيد الفضل فإن القلب فيه أجمع والنفس أميل إلى الاستراحة فكانت العبادة فيه أحمز ولذلك قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً). (وَأَطْرافَ النَّهارِ) تكرير لصلاتي الصبح والمغرب إرادة الاختصاص ، ومجيئه بلفظ الجمع لأمن الإلباس كقوله :
ظهرا هما مثل ظهور الترسين