(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ) أدنى شيء ، وفيه مبالغات ذكر المس وما في النفحة من معنى القلة ، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء والبناء الدال على المرة. (مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) من الّذي ينذرون به. (لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم.
(وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)(٤٧)
(وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) العدل توزن بها صحائف الأعمال. وقيل وضع الموازين تمثيل لإرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل ، وإفراد (الْقِسْطَ) لأنه مصدر وصف به للمبالغة. (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) لجزاء يوم القيامة أو لأهله ، أو فيه كقولك : جئت لخمس خلون من الشهر. (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) من حقها أو من الظلم. (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة ، ورفع نافع (مِثْقالَ) على (كانَ) التامة. (أَتَيْنا بِها) أحضرناها ، وقرئ «آتينا» بمعنى جازينا بها من الإيتاء فإنه قريب من أعطينا ، أو من المؤاتاة فإنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء وأثبنا من الثواب وجئنا ، والضمير للمثقال وتأنيثه لإضافته إلى ال (حَبَّةٍ). (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)(٥٠)
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) أي الكتاب الجامع لكونه فارقا بين الحق والباطل ، (وَضِياءً) يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة ، (وَذِكْراً) يتعظ به المتقون أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع. وقيل (الْفُرْقانَ) النصر ، وقيل فلق البحر وقرئ «ضياء». بغير واو على أنه حال من (الْفُرْقانَ).
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) صفة (لِلْمُتَّقِينَ) أو مدح لهم منصوب أو مرفوع. (بِالْغَيْبِ) حال من الفاعل أو المفعول. (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) خائفون وفي تصدير الضمير وبناء الحكم عليه مبالغة وتعريض.
(وَهذا ذِكْرٌ) يعني القرآن. (مُبارَكٌ) كثير خيره. (أَنْزَلْناهُ) على محمّد عليه الصلاة والسلام. (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) استفهام توبيخ.
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) (٥٣)
(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) الاهتداء لوجوه الصلاح وإضافته ليدل على أنه رشد مثله وأن له شأنا. وقرئ (رُشْدَهُ) وهو لغة. (مِنْ قَبْلُ) من قبل موسى وهارون أو محمّد عليه الصلاة والسلام. وقيل من قبل استنبائه أو بلوغه حيث قال : (إِنِّي وَجَّهْتُ)(وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) علمنا أنه أهل لما آتيناه ، أو جامع لمحاسن الأوصاف ومكارم الخصال وفيه إشارة إلى أن فعله سبحانه وتعالى باختيار وحكمة وأنه عالم بالجزئيات.
(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) متعلق ب (آتَيْنا) أو ب (رُشْدَهُ) أو بمحذوف : أي اذكر من أوقات رشده وقت قوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) تحقير لشأنها وتوبيخ على إجلالها ، فإن التمثال صورة لا روح فيها لا يضر ولا ينفع ، واللام للاختصاص لا للتعدية فإن تعدية العكوف بعلى. والمعنى أنتم فاعلون العكوف لها ويجوز أن يؤول بعلى أو يضمن العكوف معنى العبادة.