(قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) فقلدناهم وهو جواب عما لزم الاستفهام من السؤال عما اقتضي عبادتها وحملهم عليها.
(قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(٥٦)
(قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) منخرطين في سلك ضلال لا يخفى على عاقل لعدم استناد الفريقين إلى دليل ، والتقليد إن جاز فإنما يجوز لمن علم في الجملة أنه على حق.
(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) كأنهم لاستبعادهم تضليله إياهم ظنوا أن ما قاله إنما قاله على وجه الملاعبة ، فقالوا أبجد تقوله أم تلعب به.
(قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) إضراب عن كونه لاعبا بإقامة البرهان على ما ادعاه وهن للسموات والأرض أو للتماثيل ، وهو أدخل في تضليلهم وإلزام الحجة عليهم. (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) أي المذكور من التوحيد. (مِنَ الشَّاهِدِينَ) من المتحققين له والمبرهنين عليه ، فإن الشاهد من تحقق الشيء وحققه.
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)(٥٨)
(وَتَاللهِ) وقرئ بالباء وهي الأصل والتاء بدل من الواو المبدلة منها وفيها تعجب. (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) لأجتهدن في كسرها ، ولفظ الكيد وما في التاء من التعجب لصعوبة الأمر وتوقفه على نوع من الحيل. (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا) عنها. (مُدْبِرِينَ) إلى عيدكم ولعله قال ذلك سرا.
(فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) قطاعا فعال بمعنى مفعول كالحطام من الجذ وهو القطع. وقرأ الكسائي بالكسر وهو لغة ، أو جمع جذيذ كخفاف وخفيف. وقرئ بالفتح و «جذذا» جمع جذيذ و «جذذا» جمع جذة. (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) للأصنام كسر غيره واستبقاه وجعل الفأس على عنقه. (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) لأنه غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لتفرده واشتهاره بعداوة آلهتهم فيحاجهم بقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) فيحجهم ، أو أنهم يرجعون إلى الكبير فيسألونه عن كاسرها إذ من شأن المعبود أن يرجع إليه في حل العقد فيبكتهم بذلك ، أو إلى الله أي (يَرْجِعُونَ) إلى توحيده عند تحققهم عجز آلهتهم.
(قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ)(٦١)
(قالُوا) حين رجعوا. (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) بجرأته على الآلهة الحقيقة بالإعظام ، أو بإفراطه في حطمها أو بتوريط نفسه للهلاك.
(قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) يعيبهم فلعله فعله ويذكر ثاني مفعولي سمع ، أو صفة ل (فَتًى) مصححة لأن يتعلق به السمع وهو أبلغ في نسبة الذكر إليه. (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) خبر محذوف أي هو إبراهيم ، ويجوز أن يرفع بالفعل لأن المراد به الاسم.
(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) بمرأى منهم بحيث تتمكن صورته في أعينهم تمكن الراكب على المركوب. (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) بفعله أو قوله أو يحضرون عقوبتنا له.