أن كان ما كان مما تقدّم ذكره من تحويط الحضرمي عليها وتسميتها حينئذ الطائف ، وقد ذكر بعض النّساب في تسميتها بالطائف أمرا آخر وهو أنه قال : لما هلك عامر بن الظرب ورثته ابنتاه زينب وعمرة وكان قسيّ بن منبّه خطب إليه فزوّجه ابنته زينب فولدت له جشما وعوفا ثم ماتت بعد موت عامر فتزوّج أختها وكانت قبله عند صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن فولدت له عامر بن صعصعة ، فكانت الطائف بين ولد ثقيف وولد عامر بن صعصعة ، فلما كثر الحيّان قالت ثقيف لبني عامر : إنكم اخترتم العمد على المدن والوبر على الشجر فلستم تعرفون ما نعرف ولا تلطفون ما نلطف ونحن ندعوكم إلى حظ كبير لكم ما في أيديكم من الماشية والإبل والذي في أيدينا من هذه الحدائق فلكم نصف ثمره فتكونوا بادين حاضرين يأتيكم ريف القرى ولا تتكلفوا مؤونة وتقيموا في أموالكم وماشيتكم في بدوكم ولا تتعرضوا للوباء وتشتغلوا عن المرعى ، ففعلوا ذلك فكانوا يأتونهم كل عام فيأخذون نصف غلّاتهم ، وقد قيل : إن الذي وافقوهم عليه كان الربيع ، فلما اشتدّت شوكة ثقيف وكثرت عمارة وجّ رمتهم العرب بالحسد وطمع فيهم من حولهم وغزوهم فاستغاثوا ببني عامر فلم يغيثوهم فأجمعوا على بناء حائط يكون حصنا لهم فكانت النساء تلبّن اللبن والرجال يبنون الحائط حتى فرغوا منه وسموه الطائف لإطافته بهم ، وجعلوا لحائطهم بابين : أحدهما لبني يسار والآخر لبني عوف ، وسموا باب بني يسار صعبا وباب بني عوف ساحرا ، ثم جاءهم بنو عامر ليأخذوا ما تعوّدوه فمنعوهم عنه وجرت بينهم حرب انتصرت فيها ثقيف وتفرّدت بملك الطائف فضربتهم العرب مثلا ، فقال أبو طالب ابن عبد المطلب :
منعنا أرضنا من كل حيّ ، |
|
كما امتنعت بطائفها ثقيف |
أتاهم معشر كي يسلبوهم ، |
|
فحالت دون ذلكم السيوف |
وقال بعض الأنصار :
فكونوا دون بيضكم كقوم |
|
حموا أعنابهم من كل عادي |
وذكر المدائني أن سليمان بن عبد الملك لما حجّ مرّ بالطائف فرأى بيادر الزبيب فقال : ما هذه الحرار؟ فقالوا : ليست حرارا ولكنها بيادر الزبيب ، فقال : لله درّ قسيّ بأيّ أرض وضع سهامه وأيّ أرض مهّد عشّ فروخه! وقال مرداس بن عمرو الثقفي :
فانّ الله لم يؤثر علينا |
|
غداة يجزّئ الأرض اقتساما |
عرفنا سهمنا في الكف يهوي |
|
كذا نوح ، وقسّمنا السهاما |
فلما أن أبان لنا اصطفينا |
|
سنام الأرض ، إنّ لها سناما |
فأنشأنا خضارم متجرات |
|
يكون نتاجها عنبا تؤاما |
ضفادعها فرائح كلّ يوم |
|
على جوب يراكضن الحماما |
وأسفلها منازل كلّ حيّ ، |
|
وأعلاها ترى أبدا حراما |
ثم حسدهم طوائف العرب وقصدوهم فصمدوا لهم وجدّوا في حربهم ، فلما لم يظفروا منهم بطائل ولا طمعوا منهم بغرّة تركوهم على حالهم أغبط العرب عيشا إلى أن جاء الإسلام فغزاهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فافتتحها في سنة تسع من الهجرة