وكانت سدنة العزّى بني شيبان بن جابر بن مرّة بن عبس بن رفاعة بن الحارث بن عتبة بن سليم بن منصور ، وكانوا حلفاء بني الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وكان آخر من سدنها منهم دبيّة بن حرمي السلمي ، وله يقول أبو خراش الهذلي وكان قدم عليه فحذاه نعلين جيدتين فقال :
حذاني بعد ما خذمت نعالي |
|
دبيّة ، إنه نعم الخليل |
مقابلتين من صلوي مشبّ |
|
من الثيران وصلهما جميل |
فنعم معرّس الأضياف تدحى |
|
رحالهم شآمية بليل |
يقابل جوعهم بمكلّلات |
|
من القربى يرعّبها الحميل |
فلم تزل العزى كذلك حتى بعث الله نبيّه ، صلّى الله عليه وسلّم ، فعابها وغيرها من الأصنام ونهاهم عن عبادتها ونزل القرآن فيها فاشتدّ ذلك على قريش ومرض أبو أحيحة سعيد بن العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف مرضه الذي مات فيه ، فدخل عليه أبو لهب يعوده فوجده يبكي فقال له : ما يبكيك يا أبا أحيحة ، أمن الموت تبكي ولا بدّ منه؟ فقال : لا ولكني أخاف ألا تعبدوا العزّى بعدي ، فقال له أبو لهب : ما عبدت في حياتك لأجلك ولا تترك عبادتها بعدك لموتك ، فقال أبو أحيحة : الآن علمت أن لي خليفة ، وأعجبه شدّة نصبه في عبادتها ، قال أبو المنذر : وكان سعيد بن العاصي أبو أحيحة يعتمّ بمكة فإذا اعتم لم يعتمّ أحد بلون عمامته ، قال أبو المنذر : حدّثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، قال : كانت العزى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة ، فلما افتتح النبي ، صلّى الله عليه وسلّم ، مكة بعث خالد بن الوليد فقال له : ائت بطن نخلة فإنك تجد ثلاث سمرات فاعضد الأولى ، فأتاها فعضدها ، فلما عاد إليه قال : هل رأيت شيئا؟ قال : لا ، قال : فاعضد الثانية ، فأتاها فعضدها ، فلما عاد إليه قال : هل رأيت شيئا؟ قال : لا ، قال : فاعضد الثالثة ، فأتاها فإذا هو بخنّاسة نافشة شعرها واضعة يديها على عاتقها تصرف بأنيابها وخلفها دبيّة ابن حرمي السلمي ثم الشيباني وكان سادنها ، فلما نظر إلى خالد قال :
أعزّيّ شدّي شدّة لا تكذّبي ، |
|
على خالد ألقي الخمار وشمّري |
فإنك إلا تقتلي اليوم خالدا ، |
|
فبوئي بذلّ عاجل وتنصّري |
فقال خالد :
يا عزّ كفرانك لا سبحانك ، |
|
إني رأيت الله قد أهانك |
ثم ضربها ففلّق رأسها فإذا هي حممة ثم عضد الشجر وقتل دبيّة السادن ، وفيه يقول أبو خراش الهذلي يرثيه :
ما لدبيّة منذ اليوم لم أره |
|
وسط الشروب ولم يلمم ولم يطف |
لو كان حيّا لغاداهم بمترعة |
|
من الرواويق من شيزى بني الهطف |
ضخم الرّماد عظيم القدر جفنته |
|
حين الشتاء كحوض المنهل اللّقف |
قال هشام : يطف من الطّوفان أو من طاف يطيف ، والهطف : بطن من عمرو بن أسد ، واللقف : الحوض المنكسر الذي يغلب أصله الماء فيتثلم ، يقال : قد