طُوسَانُ : بضم أوله ، وسكون ثانيه ، وسين مهملة ، وآخره نون ، لا ريب في أنه أعجميّ ويوافقه من العربية ، قال ابن الأعرابي : الطّوس ، بالفتح ، القمر ، والطّوس ، بالضم ، دواء ودوام الشيء : وهي قرية بينها وبين مرو الشاهجان فرسخان ، قد نسب إليها قوم من أهل الرواية.
طُوسُ : قال بطليموس : طول طوس إحدى وثمانون درجة ، وعرضها سبع وثلاثون ، وهي في الإقليم الرابع ، إن شئت صرفته لأن سكون وسطه قاوم إحدى العلّتين ، واشتقاقه في الذي قبله : وهي مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور نحو عشرة فراسخ تشتمل على بلدتين يقال لإحداهما الطابران وللأخرى نوقان ولهما أكثر من ألف قرية فتحت في أيام عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، وبها قبر عليّ بن موسى الرّضا وبها أيضا قبر هارون الرشيد ، وقال مسعر بن المهلهل : وطوس أربع مدن : منها اثنتان كبيرتان واثنتان صغيرتان ، وبها آثار أبنية إسلامية جليلة ، وبها دار حميد بن قحطبة ، ومساحتها ميل في مثله ، وفي بعض بساتينها قبر عليّ بن موسى الرضا وقبر الرشيد ، وبينها وبين نيسابور قصر هائل عظيم محكم البنيان لم أر مثله علوّ جدران وإحكام بنيان ، وفي داخله مقاصير تتحير في حسنها الأوهام وآزاج وأروقة وخزائن وحجر للخلوة ، وسألت عن أمره فوجدت أهل البلد مجمعين على أنه من بناء بعض التبابعة وأنه كان قصد بلد الصين من اليمن فلما صار إلى هذا المكان رأى أن يخلّف حرمه وكنوزه وذخائره في مكان يسكن إليه ويسير متخففا فبنى هذا القصر وأجرى له نهرا عظيما آثاره بيّنة وأودعه كنوزه وذخائره وحرمه ومضى إلى الصين فبلغ ما أراد وانصرف فحمل بعض ما كان جعله في القصر وبقيت له فيه بعد أموال وذخائر تخفى أمكنتها وصفات مواضعها مكتوبة معه ، فلم يزل على هذه الحال تجتاز به القوافل وتنزله السابلة ولا يعلمون منه شيئا حتى استبان ذلك واستخرجه أسعد بن أبي يعفر صاحب كحلان في أيامنا هذه لأن الصفة كانت وقعت إليه فوجّه قوما استخرجوها وحملوها إليه إلى اليمن ، وقد خرج من طوس من أئمة أهل العلم والفقه ما لا يحصى ، وحسبك بأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي وأبي الفتوح أخيه ، وأما الغزالي أبو حامد فهو الإمام المشهور صاحب التصانيف التي ملأت الأرض طولا وعرضا ، قرأ على أبي المعالي الجويني ودرس بالنظاميّة بعد أبي إسحاق ونال من الدنيا أربه ثم انقطع إلى العبادة فحجّ إلى بيت الله الحرام وقصد الشام وأقام بالبيت المقدّس مدة ، وقيل : إنه قصد الإسكندرية وأقام بمنارتها ثم رجع إلى طوس وانقطع إلى العبادة فألزمه فخر الملك بن نظام الملك بالتدريس بمدرسته في نيسابور فامتنع وقال : أريد العبادة ، فقال له : لا يحلّ لك أن تمنع المسلمين الفائدة منك ، فدرّس ثم ترك التدريس ولزم منزله بطوس حتى مات بالطابران منها في رابع عشر جمادى الآخر سنة ٥٠٥ ودفن بظاهر الطابران ، وكان مولده سنة ٤٥٠ ، ورثاه الأديب الأبيوردي فقال :
بكى على حجّة الإسلام حين ثوى |
|
من كل حيّ عظيم القدر أشرفه |
وما لمن يمتري في الله عبرته |
|
على أبي حامد لاح يعنّفه |
تلك الرزيّة تستهوي قوى جلدي ، |
|
والطّرف تسهره والدمع تنزفه |
فما له خلّة في الزّهد منكرة ، |
|
ولا له شبه في الخلق نعرفه |