وأما الموضع الثاني :
وهو في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهب المخالفون إليه
فالذي يدلّ على ذلك وجهان : أحدهما : أن نفصّل قول كلّ فرقة من المخالفين ونتكلم على بطلان قولها على التعيين. والثاني : أن نستدل على أنه تعالى لا يرى في حال من الأحوال ، وبذلك يتم غرضنا في هذا الموضع.
أما الوجه الأول فنقول وبالله التوفيق : أما المشبّهة فالخلاف بيننا وبينهم في كونه مشبها للأشياء ، وأنه تعالى صورة فوق العرش ، وله أعضاء وجوارح. والخلاف لا يتحقق بيننا وبينهم في الرؤية ، فإنهم لا يخالفوننا في أنه تعالى لو لم يكن جسما لما صحت رؤيته ، ونحن لا نخالفهم في أنه لو كان جسما لصحّت رؤيته. فالخلاف بيننا وبينهم يعود إلى إثبات التشبيه ونفيه ، وقد دللنا على أنه تعالى لا يشبه الأشياء ، فبطل قولهم بالرؤية ؛ إذ القول بالرؤية فرع على كونه جسما ومشبها لما يرى ؛ فإذا بطل الأصل وهو التشبيه بطل الفرع وهو الرؤية.
وأما قول الأشعرية (١) فقالوا : بأنه تعالى يرى لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا خلف ولا أمام ولا كلّه ولا بعضه ولا يصح أن يشير إليه من يراه ، قالوا : وليس بمتلوّن ولا بمضيء ونراه ، وليس هو في ضياء ولا بيننا وبينه ظلمة. وقولهم خروج عن المعقول. وفيه فتح لأبواب الجهالات ؛ لأن المعقول من الرؤية كون المرئيّ في مقابلة الرائي على هيئة وصورة أو هو حالّ في هيئة وصورة ، والله تعالى يتقدس عن الهيئة والصّورة وأن يكون حالّا في هيئة وصورة بالإجماع بيننا وبينهم ، فقولهم بالرؤية تجاهل عظيم لا يقبله ذو عقل
__________________
(١) ينظر المواقف ٣١٠.