ذهب أبو موسى الأشعريّ بثلث الإسلام يوم التّحكيم ؛ لأنّه خلع الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه بمكيدة عمرو بن العاص ... ، وذهب ولده الحسن بن أبي بشر الأشعرى ... بثلثي الإسلام (١) ؛ لقوله بأن الله تعالى يدرك بالحواس (٢) ؛ لأن الحسن بن أبي بشر من ذرية أبي موسى الأشعري. والذي يدلّ على إبطال قوله إجماع المسلمين على بطلانه من الصحابة والتابعين وعلماء أهل البيت أجمعين عليهم سلام رب العالمين.
ويدل على ذلك أيضا أنه تعالى لو كان محسوسا بالحواسّ ومدركا بجميعها لما اختلف العقلاء في رؤيته مع ثبوت حواسّهم وصحّتها ، ولوجب أن يكون العلم بذلك ضروريا ؛ لأن العلم الحسي ضروري ، لا ينتفي عن النّفس بشك ولا شبهة ، وفي علمنا باختلافهم في رؤيته : فإن منهم من أثبتها ، ومنهم من نفاها ؛ بل في اثبات ذاته تعالى : فإنّ من الناس من يثبته ، ومنهم من ينفيه ، ومنهم من يوحده ، ومنهم من يثنّيه ـ دلالة (٣) على أنه تعالى غير محسوس بالحواسّ ولا يدرك بها أصلا.
وأما الضرارية (٤) فإنهم يقولون : إن الواحد منا يدرك الله بحاسّة سادسة يخلقها له يوم القيامة. والذي يبطل ذلك أن تلك الحاسة : لا تخلو أن تكون صحيحة أو سقيمة ، فإن كانت سقيمة صح أن نراه بحواسنا السّقيمة ، وإن
__________________
(١) ينظر الملل والنحل للإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى ص ١١٧.
(٢) هو القول بالرؤية وإثبات الأعضاء ، وقول قائلهم : بلا كيف لا تنفع.
(٣) مبتدأ مؤخر خبره قوله : وفي علمنا.
(٤) الضرارية هم أصحاب ضرار بن عمرو. ومن أصحابه حفص القرد وإليهما تنسب كل ما يخص الضرارية. وهي من فرق المجبرة ، يقولون : إن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، وأن الاستطاعة قبل الفعل وهي بعض المستطيع إلى غير ذلك.