سؤالهم الرؤية ، ولو كانت الرؤية جائزة عليه تعالى لما صعقوا ، كما لو سألوا رزقا وولدا فإنه لا ينزّل بهم العذاب لأجل ذلك. فإن قيل : لم تاب موسى؟ قلنا : حيث سأل الله تعالى بغير إذن في ذلك ، وكان بمحضر القوم فغشي على موسى محنة له ، وأنزل الله الصاعقة بقومه عقوبة. وقد قال موسى لما سمع الدّكدكة ، ورأى ما نزل : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) [الأعراف : ١٥٥] فأضاف ذلك إلى السفهاء. فإن قيل : إن المراد بذلك عبادة العجل ، قلنا : غير مسلّم ، فإن عبادة العجل كانت بعد ذلك ، بدلالة قوله تعالى : (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) [النساء : ١٥٣] ، إلى غير ذلك. فإن قيل : لو كان هذا السؤال لأمر مستحيل لردّه عليهم موسى ، كما أنهم لمّا قالوا : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [الأعراف : ١٣٨] ، فردّه عليهم ولم يسأل ربّه.
فالجواب : عن ذلك من وجهين : أحدهما أنه لا يمتنع أن يكون جوابه في هذه المسألة لا يقنعهم ، بخلاف تلك المسألة ؛ فأراد أن يكون الجواب من الله تعالى ؛ لكونه أبلغ في الزّجر والرّدع والنكير. الوجه الثاني أن هذه المسألة طريقها العقل والسمع فأراد عليهالسلام أن ترد (١) في ذلك دلالة سمعية على أنه تعالى لا يرى ، وهو قوله : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] وفي تلك المسألة (٢) طريقها العقل فحسب ؛ فردها عليهم لأنّ ما يكون مجعولا مفعولا لا يكون إلها معبودا ، فثبت أنه تعالى لا يرى في حال من الأحوال.
__________________
(١) في (ب) و (ج) : يرد.
(٢) قولهم : اجعل لنا إلها.