كان معنى. والإدراك ليس بمعنى ، بدليل أنه لو كان معنى لجاز أن يكون الواحد منّا حيّا لا آفة به ، والمدركات موجودة والموانع مرتفعة ، ولا يدرك المدركات بأن لا يحصل ذلك المعنى الذي هو الإدراك ، وفي ذلك إلحاق البصراء صحاح الحواسّ بالعميان ، ومعلوم خلاف ذلك ، فلم يبق إلا أن يكون التّمدّح راجعا إلى ذاته تعالى (١). وإنما قلنا : بأن إدراك الأبصار هو رؤيتها ، لأن الإدراك وإن كان مستعملا في أربعة معان : هي اللّحوق ، والبلوغ ، ونضج
__________________
عنى رحمهالله : لو كان التمدح راجعا إلى غير ذاته تعالى لم يعقل إلا نفي فعل ، وقد أوضح هذا في شرح الأصول الخمسة ص ٢٣٨ ، فقال : فإن قيل : فلم قلتم أن المدح يرجع إلى الفعل. وما يرجع إلى الذات فعلى قسمين : أحدهما يرجع إلى الإثبات ، نحو قولنا : قادر عالم حي سميع بصير. والثاني : يرجع إلى النفي ، وذلك نحو قولنا : لا يحتاج ولا يتحرك ولا يسكن. وأما ما يرجع إلى الفعل ، فعلى ضربين أيضا : أحدهما يرجع إلى الإثبات ، نحو قولنا : رازق ومحسن ومتفضل ، والثاني : يرجع إلى النفي ، وذلك نحو قولنا : لا يظلم ولا يكذب. إذا ثبت هذا ؛ فالواجب أن ننظر في قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) من أي القبيلين هو. لا يجوز أن يكون هذا من قبيل ما يرجع إلى الفعل ؛ لأنه تعالى لم يفعل فعلا حتى لا يرى ، وليس يجب في الشيء إذا لم يرى أن يحصل منه فعل حتى لا يرى فإن كثيرا من الأشياء لا ترى وإن لم تفعل أمرا من الأمور كالمعدودات وككثير من الأعراض ، والشيء إذا لم يرى فإنما لم يرى لما هو عليه في ذاته ، لا لأنه يفعل أمرا من الأمور ، وإذا كان الأمر كذلك صح أن هذا التمدح راجع إلى ذاته.
(١) فنفي الرؤية متوجه إلى ذاته وليس إلى أفعاله.