والجواب عن ذلك من وجهين : أحدهما : أنه قد ورد في القرآن الكريم ما يبطل قولهم في الرؤية وهو ما قدمنا ذكره قبل هذا الموضع ، فإنه يدل على أنه تعالى لا يرى ، وليسوا بأن يتمسكوا بما ظنوا كونه حجة لهم على صحة قولهم أولى من أن يتمسكوا بما يشهد ببطلانه ؛ إذ القرآن كله واجب الاتباع ، وهكذا القول في السّنة ؛ لأنها قد وردت بما يشهد ببطلان التشبيه ، كما وردت بما ذكروه وتوهموا كونه دليلا على الرؤية ، فليسوا بأن يتمسكوا ببعض ذلك أولى من البعض. ونحن نورد بعضا مما يدل على أنه تعالى لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة من كلام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. ومن كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ومن كلام الصحابة ، ومن كلام أهل البيت (ع) ؛ ليتضح بذلك صحّة ما ذكرناه. فمن ذلك ما رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «إنّ أحدا لا يرى ربّه في الدنيا ولا في الآخرة» (١).
وعن سمرة بن جندب قال : سألنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هل نرى ربنا في الآخرة؟ قال : فانتفض ثم سقط فلصق بالأرض ، وقال : «لا يراه أحد ، ولا ينبغي لأحد أن يراه». وعن ابن عباس أنه قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في دعائه في الوتر : «اللهمّ إنك ترى ولن ترى» ، إلى غير ذلك من الأخبار.
وروي من كلام أمير المؤمنين علي عليهالسلام في بعض خطبه : الحمد لله الذي يعلم خفيّات الأمور ، ودلت عليه أعلام الظّهور ، وامتنع على عين البصير ، فلا عين من أثبته تبصره ، ولا قلب من لم يره ينكره (٢). ومن كلام له وقد سئل : كيف عرفت ربّك؟ فقال : أعرفه بما عرّف به نفسه من غير رؤية ، لا يدرك
__________________
(١) شرح الأصول الخمسة ص ٢٧٠. والمغني ٤ / ٢٢٩.
(٢) النهج ١٧١.