الثواب ، والكرامة بعد الكرامة (١).
وأما قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) [المطففين ١٥] ، فهذا لا تعلّق لهم به (٢) ، فإن معناه أنهم مبعدون عن رحمة الله وثوابه. وروي عن قتادة أنه قال : معناه أنّ الله تعالى لا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم (٣) ولهم عذاب أليم. أجرى الله تعالى ذلك كما جرت به العادة من الإخبار عن سوء حال الغير عند السلطان ، ومن يجري مجراه ، ولهذا يقال فيمن غضب عليه السلطان وسخط عليه : أبعده عنه وأقصاه وحجبه ، وأنه لا ينظر إليه ، أي لا يرحمه ولا يكلّمه إلى نحو ذلك ، وهو شائع في لغة العرب ، وما قدّمنا من الأدلة يعضد هذا التأويل ، ويكون موافقا لأدلة العقول ، ولئلّا يؤدي إلى مناقضة السمع.
وأما قوله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] ،
__________________
(١) ينظر تفسير الطبري مج ١٤ ج ٢٩ ص ٢٣٩.
(٢) قال القاضي عبد الجبار في متشابهه ٢ / ٦٨٣ في تفسير هذه الآية : لا تدل على ما تقوله الحشوية في أنه تعالى يرى يوم القيامة بأن يرفع عنه الحجب للمؤمنين فيروه ، ويحتجب عن غيرهم فيمنعون من رؤيته ؛ لأن هذا القول يوجب أن يكون تعالى جسما محدودا في مكان مخصوص ، ويجوز عليه الستر والحجاب ، ويراه قوم دون قوم ، ومن حيث يظهر في جهة دون جهة. والمراد بالآية : أنهم ممنوعون من رحمة الله ؛ لأن الحجب هو المنع ولذلك يقال فيمن يمنع الوصول إلى الأمير : إنه حاجب له ، وإن كان الممنوع مشاهدا له ، وقال أهل الفرائض في الأخوة : إنهم يحجبون الأم من الثلث ؛ إذا منعوها ، وإن لم يكن هناك ستر في الحقيقة ؛ فثبت بذلك أنه تعالى لم يمنعهم بذلك من رحمته وسعة فضله ، ليبعث السامع بذلك على التمسك بطاعة الله ، فيكون يوم القيامة من أهل الرحمة ، لا من المحجوبين عنها.
(٣) ينظر البغوي ٦ / ٣٨٦. والكشاف ٤ / ٧٢٣. وذكر أنه قول ابن عباس وقتادة وابن أبي مليكة.