والإحسان في العقل ، وهو المندوب شرعا ، وقد يسمى سنّة إذا أكثر من فعله النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وإن لم يداوم عليه ولا أكثر من فعله سمّي تطوعا. وإن لم يستحقّ بفعله المدح فلا يخلو أن يترجّح تركه على فعله أم لا ؛ فإن ترجّح تركه على فعله فهو المكروه شرعا نحو الأكل بالشّمال ، وقد ذكرنا أنه لا مثال له في العقل ، وإن لم يترجّح تركه على فعله على الإطلاق فهو المباح. فمثال الواجب من فعل الله تعالى التمكين واللّطف. ومثال المندوب العفو والتفضّل والإنعام. ومثال ما هو من جنس المباح العقاب والذمّ.
وأما الفصل الثالث :
وهو أن في الأفعال ما لو فعله الله تعالى لكان قبيحا (١)
فالذي يدل على ذلك أن الأفعال تقبح لوجوه تقع عليها ، فمن أيّ فاعل وجدت على بعض تلك الوجوه وجب كونها قبيحة ، وإنما قلنا بأن الأفعال تقبح لوجوه تقع عليها ؛ لأن القبح ثابت في الأفعال خلافا للفلاسفة الضّلال ومن وافقهم من متأخري الأشعرية الجهّال ؛ فإنهم يذهبون إلى نفي الحسن والقبح عن الأفعال (٢) ، ويقولون : إنّ ما يستنكر من ذلك من باب المشهورات والمقبولات والمتخيّلات ، ممّا (٣) يؤيّدها نفور النفس والإلف والعادة. وذهبت الجبرية القدريّة إلى أن الأفعال تقبح منّا لكوننا منهيين ، أو مملوكين ، أو مربوبين ، أو محدثين. وإذا أردنا ذلك (٤) تكلمنا في موضعين : أحدهما في الدلالة على إثبات القبح في الأفعال ؛ والذي يدل على ذلك أن العقلاء يعلمون بعقولهم
__________________
(١) في (ب) ، (ج) : قبحا.
(٢) ينظر الإرشاد للجويني ص ٢٢٨. ورسالة إلى أهل الثغر ص ٢٤٦.
(٣) في (ب) : بما.
(٤) في (ب) : وإذا أردنا إبطال ذلك.