في ذلك ، وذلك بأن نتكلم في ثلاثة مطالب : أحدها في بيان معاني القضاء والقدر واستعمالهما فيها. والثاني في الدلالة على اقتضائهما لتلك المعاني. والثالث في بيان الصحيح من ذلك والفاسد.
أمّا المطلب الأول : وهو في بيان معاني لفظة القضاء والقدر واستعمالهما فيها. فالقضاء (١) على وجوه خمسة : أحدها الخلق والتّمام يحكيه قول الله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ١٢] أي خلقهنّ وأتمّهن (٢). وثانيها الأمر والإلزام ، يحكيه قول الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣] معناه أمر وألزم (٣). وثالثها الإخبار والإعلام ، يحكيه قول الله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) [الإسراء : ٤] أي أعلمنا وأخبرنا (٤). ورابعها بمعنى الفراغ من الشيء يحكيه قوله (٥) تعالى : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) [هود : ٤٤] أي فرغ منه. وقوله تعالى : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) [يوسف : ٤١] ، وقوله تعالى : (فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [الأحقاف : ٢٩] يعني لما فرغ من ذلك. وخامسها بمعنى الحكم (٦) ، يحكيه قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [يونس : ٩٣] ، ومنه سمّي القاضي قاضيا ، أي حاكما وفاصلا
__________________
(١) في (ب) : فالقضاء يطلق.
(٢) فتح الباري : ٨ / ٣٨٩.
(٣) فتح الباري ٨ / ٣٨٩. وتفسير الماوردي ٣ / ٢٢٨.
(٤) أنظر غريب القرآن ١٨٤ ، وفتح الباري ٨ / ٣٨٩ ، وتفسير الأعقم للآنسي ٣٥١.
(٥) في (ب) : قول الله.
(٦) في الأم : الحكم بحكمه يحكيه ، ولا معنى لكلمة بحكمه.